Call to Tawhid

28 Shawwâl 1445, 17:17
Reminder: Today is the 28th of the lunar calendar.

News:

Our Telegram channel: https://t.me/darultawhid_english

Main Menu

Recent posts

#31
بَابٌ

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ مِنَ الْمُحَالِ؟!

فَقَالَ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ، أَهُوَ اللّٰهُ تَعَالَى، أَوْ غَيْرُ اللّٰهِ؟

فَادَّعَى فِي الْقُرْآنِ أَمْرًا يُوهِمُ النَّاسَ. فَإِذَا سُئِلَ الْجَاهِلُ عَنِ الْقُرْآنِ "هُوَ اللّٰهُ أَوْ غَيْرُ اللّٰهِ؟"، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

فَإِنْ قَالَ: هُوَ اللّٰهُ؟!

قَالَ لَهُ الْجَهْمِيُّ: كَفَرْتَ.

وَإِنْ قَالَ: هُوَ غَيْرُ اللّٰهِ.

قَالَ: صَدَقْتَ. فَلِمَ لَا يَكُونُ غَيْرُ اللّٰهِ مَخْلُوقًا؟

فَيَقَعُ فِي نَفْسِ الْجَاهِلِ مِنْ ذٰلِكَ مَا يَمِيلُ بِهِ إِلَى قَوْلِ الْجَهْمِيِّ.

وَهٰذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْجَهْمِيِّ هِيَ مِنَ المَغَاليطِ.

فَالْجَوَابُ لِلْجَهْمِيِّ إِذَا سَأَلَ فَقَالَ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ، هُوَ اللّٰهُ أَوْ غَيْرُ اللّٰهِ؟

قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللّٰهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْقُرْآنِ "إِنَّ الْقُرْآنَ أَنَا"، وَلَمْ يَقُلْ "إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرِي"، وَقَالَ: "هُوَ كَلَامِي". فَسَمَّيْنَاهُ بِاسْمٍ سَمَّاهُ اللّٰهُ بِهِ،

فَقُلْنَا: هُوَ كَلَامُ اللّٰهِ تَعَالَى، فَمَنْ سَمَّى الْقُرْآنَ بِمَا سَمَّاهُ اللّٰهُ بِهِ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ، وَمَنْ سَمَّاهُ بِاسْمٍ غَيْرِهِ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ،

وَقَدْ فَصَلَ اللّٰهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ قَوْلًا فَقَالَ:

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.﴾ [الأعراف: ٥٤]،

فَلَمَّا قَالَ: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ﴾ [الأعراف: ٥٤] لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ إِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي ذٰلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَيْسَ بِخَلْقٍ فَقَالَ: ﴿وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، فَأَمْرُهُ هُوَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ خَلْقًا.

وَقَالَ تَعَالَى:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ۞ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.﴾ [الدخان: ٣-٤]،

ثُمَّ قَالَ فِي اَلْقُرْآنِ هُوَ ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا.﴾ [الدخان: ٥]. وَقَالَ تَعَالَى:

﴿لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.﴾ [الروم: ٤]،

يَقُولُ: لِلّٰهِ الْقَوْلُ مِنْ قَبْلِ الْخَلْقِ، وَمِنْ بَعْدِ الْخَلْقِ، وَاللّٰهُ يَخْلُقُ وَيَأْمُرُ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ خَلْقِهِ. وَقَالَ:

﴿ذٰلِكَ أَمْرُ اللّٰهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ.﴾ [الطلاق: ٥]،

وَقَالَ:

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ.﴾ [هود: ٤٠]،

يَقُولُ: قَدْ جَاءَ قَوْلُنَا فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ.
#32
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ:

وَكَانَ الْجَهْمُ وَشِيعَتُهُ كَذٰلِكَ دَعَوُا النَّاسَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا بِكَلَامِهِمْ بَشَرًا كَثِيرًا.

فَكَانَ مِمَّا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ الْجَهْمِ عَدُوِّ اللّٰهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْ أَهْلِ التِّرْمِذِ، وَكَانَ صَاحِبَ خُصُومَاتٍ وَكَلَامٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ كَلَامِهِ فِي اللّٰهِ، فَلَقِيَ أُنَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُقَالُ لَهُمْ "اَلسُّمَنِيَّةُ"، فَعَرَفُوا الْجَهْمَ،

فَقَالُوا لَهُ: نُكَلِّمُكَ، فَإِنْ ظَهَرَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْكَ دَخَلْتَ فِي دِينِنَا، وَإِنْ ظَهَرَتْ حُجَّتُكَ عَلَيْنَا دَخَلْنَا فِي دِينِكَ!

فَكَانَ مِمَّا كَلَّمُوا بِهِ الْجَهْمَ أَنْ قَالُوا لَهُ:

أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لَكَ إِلٰهًا؟

قَالَ الْجَهْمُ: نَعَمْ.

فَقَالُوا لَهُ: فَهَلْ رَأَيْتَ إِلٰهَكَ؟

قَالَ: لَا.

قَالُوا: فَهَلْ سَمِعْتَ كَلَامَهُ؟

قَالَ: لَا.

قَالُوا: فَشَمَمْتَ لَهُ رَائِحَةً؟

قَالَ: لَا.

قَالُوا: فَهَلْ وَجَدْتَ لَهُ حِسًّا؟

قَالَ: لَا.

قَالُوا: فَوَجَدْتَ لَهُ مَجَسًّا؟

قَالَ لَا.

قَالُوا: فَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ إِلٰهٌ؟!

قَالَ: فَتَحَيَّرَ الْجَهْمُ، فَلَمْ يَدْرِ مَنْ يَعْبُدُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا!!

ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَدْرَكَ حُجَّةً مِثْلَ حُجَّةِ زَنَادِقَةِ النَّصَارَى، وَذٰلِكَ أَنَّ زَنَادِقَةَ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ الرُّوحَ الَّتِي هِي فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هِيَ رُوحُ اللّٰهِ، مِنْ ذَاتِ اللّٰهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ أَمْرًا دَخَلَ فِي بَعْضِ خَلْقِهِ، فَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ خَلْقِهِ، فَيَأْمُرُ بِمَا شَاءَ، وَيَنْهَى عَمَّا شَاءَ، وَهُوَ رُوحٌ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ.

فَاسْتَدْرَكَ الْجَهْمُ حُجَّةً مِثْلَ هٰذِهِ الْحُجَّةِ؛

فَقَالَ لِلسُّمَنِيِّ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ فِيكَ رُوحًا؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ: فَهَلْ رَأَيْتَ رُوحَكَ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ كَلَامَهُ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَوَجَدْتَ لَهُ حِسًّا أَوْ مَجَسًّا؟

قَالَ: لَا.

قَالَ: فَكَذٰلِكَ اللّٰهُ لَا يُرَى لَهُ وَجْهٌ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، وَلَا يُشَمُّ لَهُ رَائِحَةٌ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنِ الْأَبْصَارِ، وَلَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ!.

وَوَجَدَ ثَلَاثَ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ:

قَوْلَهُ تَعَالَى:

﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.﴾ [الشورى: ١١]،

وَقَوْلَهُ:

﴿وَهُوَ اللّٰهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ.﴾ [الأنعام: ٣]،

وَقَوْلَهُ:

﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ.﴾ [الأنعام: ١٠٣].

فَبَنَى أَصْلَ كَلَامِهِ كُلِّهِ عَلَى هٰؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَتَأَوَّلَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَكَذَّبَ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَعَمَ أَنَّ مَنْ وَصَفَ مِنَ اللّٰهِ شَيْئًا مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَافِرًا وَكَانَ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ. فَأَضَلَّ بِكَلَامِهِ بَشَرًا كَثِيرًا، وَتَبِعَهُ عَلَى قَوْلِهِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِ عَمْرٍو بْنِ عُبَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ، وَوَضَعَ دِينَ الْجَهْمِيَّةِ.

فَإِذَا سَأَلَهُمُ النَّاسُ عَنْ قَوْلِ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.﴾ [الشورى: ١١] وَمَا تَفْسِيرُهُ؟

يَقُولُونَ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ تَحْتَ الْأَرْضِينِ السَّبْعِ كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ، وَلَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَحَدٌ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُوصَفُ وَلَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ وَلَا يَفْعَلُ، وَلَا لَهُ غَايَةٌ وَلَا لَهُ مُنْتَهَى، وَلَا يُدْرَكُ بِعَقْلٍ، وَهُوَ وَجْهٌ كُلُّهُ، وَهُوَ عِلْمٌ كُلُّهُ، وَهُوَ سَمْعٌ كُلُّهُ، وَهُوَ بَصَرٌ كُلُّهُ، وَهُوَ نُورٌ كُلُّهُ، وَهُوَ قُدْرَةٌ كُلُّهُ

وَلَا يَكُونُ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَا يُوصَفُ بِوَصْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَعْلَى وَلَا أَسْفَلُ، وَلَا نَوَاحٍ وَلَا جَوَانِبَ، وَلَا يَمِينَ وَلَا شِمَالَ، وَلَا هُوَ ثَقِيلٌ وَلَا خَفِيفٌ، وَلَا لَهُ لَوْنٌ وَلَا لَهُ جِسْمٌ، وَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ أَوْ مَعْقُولٍ، وَكُلَّ مَا خَطَرَ بِقَلْبِكَ أَنَّهُ شَيْءٌ تَعْرِفُهُ فَهُوَ عَلَى خِلَافِهِ!

قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ:

فَقُلْنَا هُوَ شَيْءٌ؟

فَقَالُوا: هُوَ شَيْءٌ لَا كَالْأَشْيَاءِ.

فَقُلْنَا: إِنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا كَالْأَشْيَاءِ قَدْ عَرَفَ أَهْلُ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ.

فَعِنْدَ ذٰلِكَ، تَبَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ شَيْئًا، وَلٰكِنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الشُّنْعَةَ بِمَا يُقِرُّونَ مِنَ الْعَلَانِيَةِ.

فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟

قَالُوا: نَعْبُدُ مَنْ يُدَبِّرُ أَمْرَ هٰذَا الْخَلْقَ.

فَقُلْنَا: هٰذَا الَّذِي يُدَبِّرَ أَمْرَ هٰذَا الْخَلْقِ هُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

قُلْنَا: قَدْ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّكُمْ لَا تُثْبِتُونَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمُ الشَّنْعَةَ بِمَا تُظْهِرُونَ.

وَقُلْنَا لَهُمْ: هٰذَا الَّذِي يُدَبِّرُ: هُوَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى؟

قَالُوا: لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُكَلَّمُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِجَارِحَةٍ، وَالْجَوَارِحُ عَنِ اللّٰهِ مَنْفِيَّةٌ.

فَإِذَا سَمِعَ الْجَاهِلُ قَوْلَهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِلّٰهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَشْعُرُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعُودُ قَوْلُهُمْ إِلَى فِرْيَةٍ فِي اللّٰهِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعُودُ قَوْلُهُمْ إِلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ.

قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ:

فَمِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ الْجَهْمِيُّ يُقَالُ لَهُ: تَجِدُ فِي كِتَابِ اللّٰهِ آيَةً تُخْبِرُ عَنِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ؟!

فَلَا يَجِدُ.

فَيُقَالُ لَهُ: فَتَجِدُهُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ؟!

فَلَا يَجِدُ.

فَيُقَالُ لَهُ: فَلِمَ قُلْتَ؟

فَسَيَقُولُ: مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ تَعَالَى:

﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا.﴾ [الزخرف: ٣].

وَزَعَمَ أَنَّ "جَعَلَ" بِمَعْنَى "خَلَقَ"، فَكُلُّ مَجْعُولٍ هُوَ مَخْلُوقٌ، فَادَّعَى كَلِمَةً مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَشَابِهِ، يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُلْحِدَ فِي تَنْزِيلِهَا، وَيَبْتَغِي الْفِتْنَةَ فِي تَأْوِيلِهَا، وَذٰلِكَ أَنَّ "جَعَلَ" فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَلَى مَعْنَى التَّسْمِيَةِ، وَعَلَى مَعْنَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى:

﴿اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ.﴾ [الحجر: ٩١]،

قَالُوا: هُوَ شِعْرٌ، وَأَنْبَاءُ الْأَوَّلِينَ، وَأَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، فَهٰذَا عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةٍ. وَقَالَ:

﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمٰنِ إِنَاثًا.﴾ [الزخرف: ١٩]،

يَعْنِي أَنَّهُمْ سَمَّوْهُمْ إِنَاثًا.

ثُمَّ ذَكَرَ "جَعَلَ" عَلَى غَيْرِ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ، فَقَالَ:

﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ.﴾ [البقرة: ١٩]،

فَهٰذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، وَقَالَ:

﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا.﴾ [الكهف: ٩٦]،

هٰذَا عَلَى مَعْنَى فَعَلَ، هٰذَا جَعْلُ الْمَخْلُوقِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ "جَعَلَ" مِنَ اللّٰهِ عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ"، وَ"جَعَلَ"عَلَى غَيْرِ مَعْنَى "خَلَقَ" وَالَّذِي قَالَ اللّٰهُ تَعَالَى "جَعَلَ"عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ" لَا يَكُونُ إِلَّا خَلْقًا، وَلَا يَقُومُ إِلَّا مَقَامَ "خَلَقَ" لَا يَزُولُ عَنْهُ الْمَعْنَى،

فَإِذَا قَالَ تَعَالَى"جَعَلَ" عَلَى غَيْرِ مَعْنَى "خَلَقَ"، لَا يَكُونُ خَلَقًا، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ "خَلَقَ"، وَلَا يَزُولُ عَنْهُ الْمَعْنَى.

فَمِمَّا قَالَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ "جَعَلَ" عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ" قَوْلُهُ:

﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ.﴾ [الأنعام: ١]

يَعْنِي: وَخَلَقَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ. وَقَالَ:

﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ.﴾ [النحل: ٧٨؛ السجدة: ٩]،

يَقُولُ: وَخَلَقَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ. وَقَالَ:

﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ.﴾ [الإسراء: ١٢]،

يَقُولُ: وَخَلَقْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ. وَقَالَ:

﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا.﴾ [نوح: ١٦]، وَقَالَ:

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا.﴾ [الأعراف: ١٨٩]،

يَقُولُ: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، يَقُولُ خَلَقَ مِنْ آدَمَ حَوَّاءَ. قَالَ:

﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ.﴾ [النمل: ٦١]،

يَقُولُ: وَخَلَقَ لَهَا رَوَاسِيَ.

وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، فَهٰذَا وَمَا كَانَ عَلَى مِثْلِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ".

ثُمَّ ذَكَرَ "جَعَلَ" عَلَى مَعْنَى غَيْرِ "خَلَقَ" قَوْلُهُ:

﴿مَا جَعَلَ اللّٰهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ.﴾ [المائدة: ١٠٣]،

لَا يَعْنِي "مَا خَلَقَ اللّٰهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ".

وَقَالَ اللّٰهُ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ:

﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا.﴾ [البقرة: ١٢٤]،

لَا يَعْنِي: "إِنِّي خَالِقُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا"، لِأَنَّ خَلْقَ إِبْرَاهِيمَ كَانَ مُتَقَدِّمًا.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ:

﴿رَبِّ اجْعَلْ هٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا.﴾ [إبراهيم: ٣٥]،

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ:

﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي.﴾ [إبراهيم: ٤٠]،

لَا يَعْنِي: "اُخْلُقْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ". وَقَالَ:

﴿يُرِيدُ اللّٰهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ.﴾ [آل عمران: ١٧٦]،

لَا يَعْنِي: "يُرِيدُ اللّٰهُ أَنْ لَا يَخْلُقَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ".

وَقَالَ لِأُمِّ مُوسَى:

﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.﴾ [القصص: ٧]

لَا يَعْنِي: "خَالِقُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ"، لِأَنَّ اللّٰهَ تَعَالَى وَعَدَ أُمَّ مُوسَى أَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهَا، ثُمَّ يَجْعَلُهُ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ مُرْسَلًا.

وَقَالَ:

﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ.﴾ [الأنفال: ٣٧]،

لَا يَعْنِي: "فَيَخْلُقَهُ فِي جَهَنَّمَ".

قَالَ:

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.﴾ [القصص: ٥]،

لَا يَعْنِي: "وَنَخْلُقَهُمْ أَئِمَّةً وَنَخْلُقَهُمْ الْوَارِثِينَ"،

وَقَالَ:

﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

لَا يَعْنِي: "خَلَقَهُ دَكًّا"، وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. فَهٰذَا -وَمَا كَانَ عَلَى مِثَالِهِ- لَا يَكُونُ عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ"، فَإِذَا قَالَ اللّٰهُ: "جَعَلَ" عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ". وَقَالَ: "جَعَلَ" عَلَى غَيْرِ مَعْنَى "خَلَقَ"، فَبِأَيِّ حُجَّةٍ قَالَ الْجَهْمِيُّ "جَعَلَ" عَلَى مَعْنَى "خَلَقَ"؟

فَإِنْ رَدَّ الْجَهْمِيُّ "الْجَعْلَ" إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَهُ اللّٰهُ فِيهِ وَإِلَّا كَانَ مِنَ الَّذِينَ

﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّٰهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.﴾ [البقرة: ٧٥].

فَلَمَّا قَالَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا.﴾ [الزخرف: ٣]،

يَقُولُ: جَعَلَهُ عَرَبِيًّا، جَعَلَهُ "جَعْلًا" عَلَى مَعْنَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ اللّٰهِ تَعَالَى، عَلَى غَيْرِ مَعْنَى "خَلَقَ".

وَقَالَ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ:

﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.﴾ [الزخرف: ٣]،

وَقَالَ:

﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۞ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ.﴾ [الشعراء: ١٩٤- ١٩٥]،

وَقَالَ:

﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ.﴾ [مريم: ٩٧؛ الدخان: ٥٨].

فَلَمَّا جَعَلَ اللّٰهُ الْقُرْآنَ عربيًّا، وَيَسَّرَهُ بِلِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ ذٰلِكَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ اللّٰهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، جَعَلَ بِهِ الْقُرْآنَ عربيًّا، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا مَعْنَاهُ: أَنْزَلْنَاهُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ. وَقِيلَ: بَيَّنَّاهُ، يَعْنِي هٰذَا بَيَانٌ لِمَنْ أَرَادَ اللّٰهُ هُدَاهُ.
#33
بَابُ
بَيَانِ مَا ضَلَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ

قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا.﴾ [النساء: ٥٦]:

قَالَتِ الزَّنَادِقَةُ: فَمَا بَالُ جُلُودِهِمُ الَّتِي عَصَتْ قَدِ احْتَرَقَتْ، وَأَبْدَلَهُمُ اللّٰهُ جُلُودًا غَيْرَهَا؟

فَلَا نَرَى إِلَّا أَنَّ اللّٰهَ يُعَذِّبُ جُلُودًا لَمْ تُذْنِبْ حِينَ يَقُولُ: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا.﴾ [النساء: ٥٦].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ قَوْلَ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا.﴾ [النساء: ٥٦] لَيْسَ مَعْنَاهُ جُلُودًا غَيْرَ جُلُودِهِمْ، وَإِنَّمَا مَعْنَى: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا.﴾ [النساء: ٥٦] تَبْدِيلُهَا: تَجْدِيدُهَا. لِأَنَّ جُلُودَهُمْ إِذَا نَضِجَتْ جَدَّدَهَا اللّٰهُ، وَذٰلِكَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ خَاصٌّ وَعَامٌّ، وَوُجُوهٌ كَثِيرَةٌ، وَخَوَاطِرُ يَعْلَمُهَا الْعُلَمَاءُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿هٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ۞ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ.﴾ [المرسلات: ٣٥، ٣٦] .

ثُمَّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.﴾ [الزمر: ٣١]

فَقَالُوا:

كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ؟ قَالَ: ﴿هٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ.﴾ [المرسلات: ٣٥]، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.﴾ [الزمر: ٣١]؟ !

فَزَعَمُوا أَنَّ هٰذَا الْكَلَامَ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ.

أَمَّا تَفْسِيرُ ﴿هٰذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥] اَلْآيَةَ: فَهٰذَا أَوَّلُ مَا تُبْعَثُ الْخَلَائِقُ عَلَى مِقْدَارِ سِتِّينَ سَنَةٍ لَا يَنْطِقُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الِاعْتِذَارِ فَيَعْتَذِرُونَ. ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ فَيَتَكَلَّمُونَ،

فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا.﴾ [السجدة: ١٢] اَلْآيَةَ.

فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ فَتَكَلَّمُوا وَاخْتَصَمُوا فَذٰلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.﴾ [الزمر: ٣١] عِنْدَ الْحِسَابِ وَإِعْطَاءِ الْمَظَالِمِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ:

﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ.﴾، أَيْ عِنْدِي ﴿وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ.﴾ [ق: ٢٨]، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْعَذَابَ مَعَ هٰذَا الْقَوْلِ كَائِنٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا.﴾ [الإسراء: ٩٧].

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ.﴾ [الأعراف: ٥٠]،

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ.﴾ [الأعراف: ٤٤].

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ؟ قَالَ: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا.﴾ [الإسراء: ٩٧]

ثُمَّ يَقُولُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟!

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ.

أَمَّا تَفْسِيرُ:

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ.﴾ [الأعراف: ٤٤]،

﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ.﴾ [الأعراف: ٥٠]:

فَإِنَّهُمْ أَوَّلُ مَا يَدْخُلُونَ النَّارَ يُكَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُنَادُونَ:

﴿يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.﴾ [الزخرف: ٧٧]،

وَيَقُولُونَ:

﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ.﴾ [إبراهيم: ٤٤]

وَ:

﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا.﴾ [المؤمنون: ١٠٦].

فَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُقَالَ لَهُمْ:

﴿اِخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ.﴾ [المؤمنون: ١٠٨]،

صَارُوا عُمْيًا وَبُكْمًا وصُمًّا، وَيَنْقَطِعُ الْكَلَامُ وَيَبْقَى الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ.﴾ [المؤمنون: ١٠١]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ.﴾ [الصافات: ٥٠].

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْمُحْكَمِ؟... فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ.

أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ.﴾ [المؤمنون: ١٠١]،

فَهٰذَا عِنْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، إِذَا قَامُوا مِنَ الْقُبُورِ، لَا يَتَسَاءَلُونَ، وَلَا يَنْطِقُونَ فِي ذٰلِكَ الْمَوْطِنِ.

فَإِذَا حُوسِبُوا، وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، أَقَبْلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ؛ فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۞ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.﴾ [المدثر: ٤٢-٤٣]. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ.﴾ [الماعون: ٤].

قَالُوا:

إِنَّ اللّٰهَ قَدْ ذَمَّ قَوْمًا كَانُوا يُصَلُّونَ فَقَالَ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ.﴾ [الماعون: ٤]، وَقَدْ قَالَ فِي قَوْمٍ إِنَّهُمْ إِنَّمَا دَخَلُوا النَّارَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُصَلِّينَ!

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

قَالَ:

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ.﴾ [الماعون: ٤] عَنَى بِهِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ.﴾ [الماعون: ٥]

حَتَّى يَذْهَبَ الْوَقْتُ

﴿اَلَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ.﴾ [الماعون: ٦]،

يَقُولُ: إِذَا رَأَوْهُمْ صَلُّوا، وَإِذَا لَمْ يَرَوْهُمْ لَمْ يُصَلُّوا.

 وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۞ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.﴾ [المدثر: ٤٢-٤٣]،

 يَعْنِي مِنَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَهٰذَا مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ.﴾ [فاطر: ١١].

ثُمَّ قَالَ:

﴿مِنْ طِينٍ لَازِبٍ.﴾ [الصافات: ١١].

ثُمَّ قَالَ:

﴿مِنْ سُلَالَةٍ.﴾ [المؤمنون: ١٢].

ثُمَّ قَالَ:

﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.﴾ [الحجر: ٢٦].

ثُمَّ قَالَ:

﴿مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ.﴾ [الرحمن: ١٤].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالُوا:

هٰذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

فَهٰذَا بِدْءُ خَلْقِ آدَمَ،

خَلَقَهُ اللّٰهُ أَوَّلَ بِدْئِهِ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ طِينَةٍ حَمْرَاءَ، وَسَوْدَاءَ، وَبَيْضَاءَ، وَمِنْ طِينَةٍ طَيِّبَةٍ وَسَبْخَةٍ،

فَلِذٰلِكَ ذُرِّيَّتُهُ طَيِّبٌ وَخَبِيثٌ، أَسْوَدُ، وَأَحْمَرُ، وَأَبْيَضُ.

ثُمَّ بَلَّ ذٰلِكَ التُّرَابَ فَصَارَ طِينًا، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مِنْ طِينٍ.﴾ [الصافات: ١١]، فَلَمَّا لَصِقَ الطِّينُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَصَارَ طِينًا لَازِبًا، يَعْنِي: لَاصِقًا.

ثُمَّ قَالَ: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ.﴾ [المؤمنون: ١٢]،

يَقُولُ: مِثْلُ الطِّينِ، إِذَا عُصِرَ انْسَلَّ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ.

ثُمَّ نَتَنَ فَصَارَ حَمَأً مَسْنُونًا فَخُلِقَ مِنَ الْحَمَإِ، فَلَمَّا جَفَّ صَارَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ، يَقُولُ: صَارَ لَهُ صَلْصَلَةٌ كَصَلْصَلَةِ الْفَخَّارِ، يَقُولُ: لَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ الْفَخَّارِ.

 فَهٰذَا بَيَانُ خَلْقِ آدَمَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ.﴾ [السجدة: ٨]،

فَهٰذَا بِدْءُ خَلْقِ ذُرِّيَّتِهِ، ﴿مِنْ سُلَالَةٍ﴾، يَعْنِي النُّطْفَةَ إِذَا انْسَلَّتْ مِنْ الرَّجُلِ، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مِنْ مَاءٍ﴾، يَعْنِي النُّطْفَةَ ﴿مَهِينٍ﴾ يَعْنِي: ضَعِيفٍ.

فَهٰذَا مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.﴾ [الشعراء: ٢٨].

وَ:﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ.﴾ [الرحمن: ١٧].

وَ:﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ.﴾ [المعارج: ٤٠].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ؟

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.﴾ [الشعراء: ٢٨]

فَهٰذَا الْيَوْمُ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، أَقْسَمَ اللّٰهُ سُبْحَانَهُ بِمَشْرِقِهِ وَمَغْرِبِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ.﴾ [الرحمن: ١٧]

فَهٰذَا أَطْوَلُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، وَأَقْصَرُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، أَقْسَمَ اللّٰهُ تَعَالَى بِمَشْرِقِهِمَا وَمَغْرِبِهِمَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ.﴾ [المعارج: ٤٠]،

فَهُوَ مَشَارِقُ السَّنَةِ وَمَغَارِبُهَا. فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.﴾ [الحج: ٤٧]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.﴾ [السجدة: ٥]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۞ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا.﴾ [المعارج: ٤-٥]

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ، وَهُوَ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا؟

قَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.﴾ [الحج: ٤٧]

فَهٰذَا مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللّٰهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ خَلَقَهَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، كُلُّ يَوْمٍ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ.﴾ [السجدة: ٥]،

وَذٰلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ.﴾ [السجدة: ٥]، وَذٰلِكَ أَنَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، فَهُبُوطٌ خَمْسُمِائَةٍ عَامٍ، وَصُعُودٌ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، فَذٰلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.﴾ [المعارج: ٤]،

يَقُولُ: لَوْ وَلِيَ حِسَابَ الْخَلَائِقِ غَيْرَ اللّٰهِ، مَا فَرَغَ مِنْهُ فِي يَوْمٍ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَيَفْرُغُ اللّٰهُ مِنْهُ عَلَى مِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، إِذَا أَخَذَ فِي حِسَابِ الْخَلَائِقِ،

فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ.﴾ [الأنبياء: ٤٧].

 يَعْنِي: لِسُرْعَةِ الْحِسَابِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.﴾ [الأنعام: ٢٢]،

إِلَى قَوْلِهِ:

﴿وَاللّٰهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.﴾ [الأنعام: ٢٣]،

فَأَنْكَرُوا أَنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللّٰهَ حَدِيثًا.﴾ [النساء: ٤٢]

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَاللّٰهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.﴾ [الأنعام: ٢٣]:

وَذٰلِكَ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ إِذَا رَأَوْا مَا يَتَجَاوَزُ اللّٰهُ عَنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِذَا سَأَلَنَا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ. فَلَمَّا جَمَعَهُمُ اللّٰهُ، وَجَمَعَ أَصْنَامَهُمْ، وَقَالَ:

﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.﴾ [الأنعام: ٢٢]،

قَالَ اللّٰهُ:

﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللّٰهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.﴾ [الأنعام: ٢٣].

فَلَمَّا كَتَمُوا الشِّركَ، خَتَمَ اللّٰهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَأَمَرَ الْجَوَارِحَ فَنَطَقَتْ بِذٰلِكَ، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.﴾ [يس: ٦٥].

فَأَخْبَرَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْجَوَارِحِ حِينَ شَهِدَتْ.

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

أَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ.﴾ [الروم: ٥٥].

وَقَالَ:

﴿يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا.﴾ [طه: ١٠٣].

وَقَالَ:

﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا.﴾ [طه: ١٠٤].

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا.﴾ [الإسراء: ٥٢].

مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ شَكَّتِ الزَّنَادِقَةُ.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا.﴾ [طه: ١٠٣]:

قَالُوا ذٰلِكَ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ فَنَظَرُوا إِلَى مَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنْ لَبِثْتُمْ فِي الْقُبُورِ إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ، ثُمَّ اسْتَكْثَرُوا الْعَشْرَ فَقَالُوا: ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا.﴾ [طه: ١٠٤] فِي الْقُبُورِ، ثُمَّ اسْتَكْثَرُوا الْيَوْمَ فَقَالُوا: ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا.﴾ [الإسراء: ٥٢]، ثُمَّ اسْتَكْثَرُوا الْقَلِيلَ، فَقَالُوا: إِنْ لَبِثْتُمْ ﴿إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.﴾ [الأحقاف: ٣٥]. فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللّٰهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.﴾ [المائدة: ١٠٩].

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ.﴾ [هود: ١٨].

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا، يَقُولُونَ: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: ﴿هٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ.﴾ [هود: ١٨].

فَزَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللّٰهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ.﴾ [المائدة: ١٠٩]،

فَإِنَّهُ يَسْأَلُهُمْ عِنْدَ زَفْرَةِ جَهَنَّمَ ﴿فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾ فِي التَّوْحِيد فَتَذْهَبُ عُقُولُهُمْ عِنْدَ زَفْرَةِ جَهَنَّمَ، فَيَقُولُونَ: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا.﴾ [المائدة: ١٠٩]. ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ مِنْ بَعْدُ فَيَقُولُونَ: ﴿هٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ.﴾ [هود: ١٨].

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۞ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٢-٢٣]

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ.﴾ [الأنعام: ١٠٣]

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا؟ يُخْبِرُ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.﴾ [الأنعام: ١٠٣]!

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٢]، يَعْنِي: اَلْحُسْنَ وَالْبَيَاضَ ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٣]، يَعْنِي: تُعَايِنُ رَبَّهَا فِي الْجَنَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.﴾ [الأنعام: ١٠٣]، يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ. وَذٰلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِمُوسَى:

﴿أَرِنَا اللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ.﴾ [النساء: ١٥٣]

فَمَاتُوا، وَعُوقِبُوا لِقَوْلِهِمْ ﴿أَرِنَا اللّٰهَ جَهْرَةً.﴾ [النساء: ١٥٣].

وَقَدْ سَأَلَتْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا:

﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللّٰهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا.﴾ [الإسراء: ٩٢].

فَلَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هٰذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ اللّٰهُ تَعَالَى:

﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ.﴾ [البقرة: ١٠٨]،

حِينَ قَالُوا:

﴿أَرِنَا اللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ.﴾ [النساء: ١٥٣] اَلْآيَةَ.

فَأَنْزَلَ اللّٰهُ سُبْحَانَهُ يُخْبِرُ أَنَّهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، أَيْ أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، فَقَالَ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ.

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مُوسَى:

﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الأعراف: ١٤٣].

وَقَالَ السَّحَرَةُ:

﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الشعراء: ٥١].

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للِّٰهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.﴾ [الأنعام: ١٦٢]

إِلَى قَوْلِهِ:

﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.﴾ [الأنعام: ١٦٣].

فَقَالُوا: فَكَيْفَ قَالَ مُوسَى: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الأعراف: ١٤٣] وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ إِبْرَاهِيمُ مُؤْمِنٌ، وَيَعْقُوبُ وَإِسْحَاقُ؟ فَكَيْفَ جَازَ لِمُوسَى أَنْ يَقُولَ: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]؟. وَقَالَتِ السَّحَرَةُ: ﴿أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الشعراء: ٥١]. وَكَيْفَ جَازَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.﴾ [الأنعام: ١٦٣]، وَقَدْ كَانَ قَبْلَهُ مُسْلِمُونَ كَثِيرٌ، مِثْلَ عِيسَى وَمَنْ تَابَعَهُ؟

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ وَقَالُوا: إِنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

أَمَّا قَوْلُ مُوسَى:

﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

فَإِنَّهُ حِينَ قَالَ:

﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِيَ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]، وَلَا يَرَانِي أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَاتَ،

﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ مِنْ قَوْلِي ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾، ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

يَعْنِي أَوَّلَ الْمُصَدِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَاتَ.

وَأَمَّا قَوْلُ السَّحَرَةِ:

﴿أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الشعراء: ٥١]،

يَعْنِي: أَوَّلَ مَنْ صَدَّقَ لِمُوسَى مِنْ أَهْلِ مِصْرَ مِنَ الْقِبْطِ.

وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.﴾ [الأنعام: ١٦٣]،

يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.﴾ [غافر: ٤٦]

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.﴾ [المائدة: ١١٥]

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.﴾ [النساء: ١٤٥].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالُوا إِنَّهُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.﴾ [غافر: ٤٦]،

يَعْنِي: أَشَدُّ عَذَابِ ذٰلِكَ الْبَابِ الَّذِي هُمْ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.﴾ [المائدة: ١١٥]،

وَذٰلِكَ أَنَّ اللّٰهَ مَسَخَهُمْ خَنَازِيرَ فَعَذَّبَهُمْ بِالْمَسْخِ مَا لَمْ يُعَذِّبْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاسِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.﴾ [النساء: ١٤٥]؛

لِأَنَّ جَهَنَّمَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ: جَهَنَّمُ، وَلَظَى، وَالْحُطَمَةُ، وَسَقَرُ، وَالسَّعِيرُ، وَالْجَحِيمُ، وَالْهَاوِيَةُ. وَهُمْ فِي أَسْفَلِ دَرْكٍ فِيهَا.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ تَعَالَى:

﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ.﴾ [الغاشية: ٦]،

 ثُمَّ قَالَ:

﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ۞ طَعَامُ الْأَثِيمِ.﴾ [الدخان: ٤٣-٤٤]،

فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ طَعَامًا غَيْرَ الضَّرِيعِ. فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ.﴾ [الغاشية: ٦]،

يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ فِي ذٰلِكَ الْبَابِ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، وَيَأْكُلُونَ الزَّقُّومَ فِي غَيْرِ ذٰلِكَ الْبَابِ، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ۞ طَعَامُ الْأَثِيمِ.﴾ [الدخان: ٤٣-٤٤]؛

 فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ.﴾ [محمد: ١١]،

ثُمَّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ.﴾ [الأنعام: ٦٢]،

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ؟ يُخْبِرُ أَنَّهُ مَوْلَى مَنْ آمَنَ، ثُمَّ قَالَ:

﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ.﴾ [محمد: ١١]؟!

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ. أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا.﴾ [محمد: ١١]،

يَقُولُ: نَاصِرُ الَّذِينَ آمَنُوا.

﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ.﴾ [محمد: ١١]،

يَقُولُ اللهُ: لَا نَاصِرَ لَهُمْ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ.﴾ [الأنعام: ٦٢]:

لِأَنَّ فِي الدُّنْيَا أَرْبَابًا بَاطِلَةً. فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.﴾ [المائدة: ٤٢؛ الحجرات: ٩]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا.﴾ [الجن: ١٥].

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ؟

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا.﴾ [الجن: ١٥]،

يَعْنِي الْعَادِلُونَ بِاللّٰهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لَهُ عِدْلًا مِنْ خَلْقِهِ فَيَعْبُدُونَهُ مَعَ اللّٰهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.﴾ [الحجرات: ٩]

يَقُولُ: اِعْدِلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ.

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿أَإِلٰهٌ مَعَ اللّٰهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ.﴾ [النمل: ٦٠]،

يَعْنِي: يُشْرِكُونَ. فَهٰذَا مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.﴾ [التوبة: ٧١]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا.﴾ [الأنفال: ٧٢]،

فَكَانَ هٰذَا عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا. أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ.﴾ [الأنفال: ٧٢]،

يَعْنِي: مِنَ الْمِيرَاثِ، وَذٰلِكَ أَنَّ اللّٰهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ أَنْ لَا يَتَوَارَثُوا إِلَّا بِالْهِجْرَةِ، فَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مُهَاجِرٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ أَوْلِيَاءٌ بِمَكَّةَ لَمْ يُهَاجِرُوا كَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ، وَكَذٰلِكَ إِنْ مَاتَ رَجُلٌ بِمَكَّةَ وَلَهُ وَلِيٌّ مُهَاجِرٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يَرِثُهُ الْمُهَاجِرُ؛

فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ.﴾ مِنَ المِيرَاثِ ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا.﴾ [الأنفال: ٧٢].

فَلَمَّا كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ رَدَّ اللّٰهُ ذٰلِكَ الْمِيرَاثَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، هَاجَرُوا أَوْ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ.﴾ [الأحزاب: ٦].

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.﴾ [التوبة: ٧١]،

يَعْنِي: فِي الدِّينِ، وَالْمُؤْمِنُ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِنَ فِي دِينِهِ. فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِإِبْلِيسَ:

﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ.﴾ [الحجر: ٤٢؛ الإسراء: ٦٥].

وَقَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ النَّفْسَ:

﴿هٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ.﴾ [القصص: ١٥].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ.

أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ.﴾ [الحجر: ٤٢؛ الإسراء: ٦٥]،

يَقُولُ: عِبَادَهُ الَّذِينَ اسْتَخْلَصَهُمُ اللّٰهُ لِدِينِهِ لَيْسَ لِإِبْلِيسَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ أَنْ يُضِلَّهُمْ فِي دِينِهِمْ، أَوْ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِمْ، وَلٰكِنَّهُ يُصِيبُ مِنْهُمْ مِنْ قِبَلِ الذُّنُوبِ. فَأَمَّا فِي الشِّرْكِ فَلَا يَقْدِرُ إِبْلِيسُ أَنْ يُضِلَّهُمْ عَنْ دِينِهِمْ لِأَنَّ اللّٰهَ سُبْحَانَهُ اسْتَخْلَصَهُمْ لِدِينِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ مُوسَى:

﴿هٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ.﴾ [القصص: ١٥]،

 يَعْنِي: مِنْ تَزَيُّنِ الشَّيْطَانِ، كَمَا زَيَّنَ لِيُوسُفَ، وَلِآدَمَ وَحَوَّاءَ، وَهُمْ عِبَادُ الرَّحْمٰنِ الْمُخْلَصُونَ.

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ لِلْكُفَّارِ:

﴿اَلْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هٰذَا.﴾ [الجاثية: ٣٤]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى.﴾ [طه: ٥٢].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ. أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿اَلْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هٰذَا.﴾ [الجاثية: ٣٤]،

يَقُولُ: نَتْرُكُكُمْ فِي النَّارِ ﴿كَمَا نَسِيتُمْ.﴾ [الجاثية: ٣٤]، كَمَا تَرَكْتُمُ الْعَمَلَ لِلِقَاءِ يَوْمِكُمْ هٰذَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى.﴾ [طه: ٥٢]،

يَقُولُ: لَا يَذْهَبُ مِنْ حِفْظِهِ وَلَا يَنْسَاهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۞ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا.﴾ [طه: ١٢٤-١٢٥]،

وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:

﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.﴾ [ق: ٢٢].

فَقَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُحْكَمِ؟ يَقُولُ: إِنَّهُ أَعْمَى، وَيَقُولُ:

﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.﴾ [ق: ٢٢]

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ. أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى.﴾ [طه: ١٢٤]، يَعْنِي: عَنْ حُجَّتِهِ، ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى.﴾ [طه: ١٢٥] عَنْ حُجَّتِي، ﴿وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا.﴾ [طه: ١٢٥] لَهَا، مُخَاصِمًا بِهَا.

فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ.﴾ [القصص: ٦٦]، يَقُولُ: اَلْحُجَجُ، ﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ.﴾ [القصص: ٦٦].

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.﴾ [ق: ٢٢]:

وَذٰلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ شَخَصَ بَصَرُهُ، وَلَا يَطْرِفُ بَصَرُهُ حَتَّى يُعَايِنَ جَمِيعَ مَا كَانَ يُكَذِّبُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ،

فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ.﴾، يَقُولُ: غِطَاءُ الْآخِرَةِ، ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.﴾ [ق: ٢٢]، يَحِدُّ النَّظَرَ، لَا يَطْرِفُ حَتَّى يُعَايِنَ جَمِيعَ مَا كَانَ يُكَذِّبُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ؛

فَهٰذَا تَفْسِيرُ مَا شَكَّتْ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِمُوسَى:

﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى.﴾ [طه: ٤٦]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ.﴾ [الشعراء: ١٥].

وَقَالُوا: كَيْفَ قَالَ:

﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا.﴾ [طه: ٤٦]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ.﴾ [الشعراء: ١٥].

فَشَكُّوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ. أَمَّا قَوْلُهُ:

﴿إِنَّا مَعَكُمْ.﴾ [الشعراء: ١٥]،

فَهٰذَا فِي مَجَازِ اللُّغَةِ. يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: إِنَّا سَنُجْرِي عَلَيْكَ رِزْقَكَ، إِنَّا سَنَفْعَلُ بِكَ كَذَا خَيْرًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى.﴾ [طه: ٤٦]،

فَهُوَ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ، يَقُولُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ لِلرَّجُلِ: سَأُجْرِي عَلَيْكَ رِزْقَكَ، أَوْ سَأَفْعَلُ بِكَ خَيْرًا.

قَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللّٰهُ:

كَتَبْتُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا كَتَبَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ.
#34
مُقَدِّمَةٌ

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ،

وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْقَاضِي سَيْفُ الدِّينِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ السَّلْمَاسِيُّ قَالَ: أَنْبَأَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنِ الْإِمَامِ أَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ بِمَسْجِدِهِ بِبَابِ الْمَرَاتِبِ فِي شَهْرِ رَبِيعِ الْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ، قُلْتُ لَهُ:

قَرَأْتَ عَلَى الْمُبَارَكِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّيْرَفِيِّ فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قُلْتَ لَهُ: أَنْبَأَكَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَلاَّلِ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْخَضْرُ بْنُ الْمُثَنَّى الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّٰهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللّٰهُ تَعَالَى قَالَ:

هٰذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبِي رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ فِي:


اَلرَّدُّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ
فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ وَأَثَابَهُ الْجَنَّةَ وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. آمِينَ.

اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدَى، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللّٰهِ الْمَوْتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللّٰهِ أَهْلَ الْعَمَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَأَقْبَحَ أَثَرُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ!.

يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللّٰهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ، وَأَطْلَقُوا عِنَانَ الْفِتْنَةِ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ، مُجْمِعُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ، يَقُولُونَ عَلَى اللّٰهِ، وَفِي اللّٰهِ، وَفِي كِتَابِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ، فَنَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمُضِلِّينَ.
#35

اَلرَّدُّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ
فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ
اَلشَّيْخُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللّٰهُ تَعَالَى
#36
E-Books / PDF COMPREHENDING THE SHAHÂDAH...
Last post by Subul’us Salâm - 02.04.2024, 12:00

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ


Read        Download
#37

[Closing Statements by Ibnu Taymiyyah]

(Ibnu Taymiyyah Rahimahullâh said in continuation,)

"As for the view of these ignorant ones, then it necessitates apostasy from the religion and disbelief in the Lord of the universes. Undoubtedly, the basis of their view is from the class of associating partners to Allâh which is Kufr that Allâhu Taâlâ does not forgive, for Allâh Subhânahu wa Taâlâ has said in His Book,

"And they said: Never leave your deities." (Nûh, 71/23)

Until the end of the verse.174 More than one of the Salaf said: These are the names of a group of the righteous from the people of Nûh. When they died, they devoted themselves to their graves. Then they made statues of them and then worshipped them. This was mentioned with similar wordings in the books of Hadîth, Tafsîr, and the stories of the Prophets, as was mentioned by al-Bukhârî in his Sahîh and a group from the people of Hadîth.

Allâhu Taâlâ commanded His Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam to say,

"Say: I am only a man like you. It has been inspired to me." (al-Kahf, 18/110)

The people of misguidance say, "The Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam himself said this. As for us, we cannot say that he is a man. Rather, we say as so-and-so and such-and-such has said. Whoever deems that Muhammad in his entirety is a man, then he has disbelieved!"

This is said by a group of them and it resembles the Christians statements regarding the Messiah. The Christians say, "He is not a man in his entirety." Furthermore, according to them, the Messiah is a name consisting of divinity and humanity, godness and being of mankind altogether. This view is adopted by a group of the extreme Sûfîs and Shî'ah, they say that divinity and humanity becomes one (Ittihâd) in the prophets and righteous people, just like the Christians believe this regarding the Messiah."175

"We know by necessity that Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam did not prescribe for his nation directing supplication to anyone among the dead, be it a prophet, righteous person, or other, neither by the wording of seeking help or other than it. Just as he Sallallâhu Alayhi wa Sallam did not prescribe for his nation prostrating for the dead nor to the dead and its likes. Rather, we know that he Sallallâhu Alayhi wa Sallam prohibited them from all of this and that it is from Shirk that Allâhu Taâlâ and His Rasûl Sallallâhu Alayhi wa Sallam made unlawful. However, because of the prevalence of ignorance and the decrease of knowledge regarding the traces of the Risâlah among many of the latter-day people, it is impossible to declare Takfîr upon them because of this until what the Rasûl Sallallâhu Alayhi wa Sallam brought -which they oppose- is clarified to them.

This is why, whenever I clarified this matter to one who knows the religion of Islâm, they understood it and said, "This is the basis of the religion of Islâm!"

Some of the elite Ârif Shaykhs from our Ashâb would say, "This is the greatest issue he (Ibnu Taymiyyah) clarified to us!" This is because they knew that this was the basis of the religion.

This person (al-Bakrî) and his likes were claiming Islâm in another vicinity, invoke the deceased, ask from them, seek protection from them, and seek aid from them. Sometimes, what they do to the deceased is more severe. This is because they turn to the deceased when they are in dire need and invoke them with the invocation of the distressed, yearning the fulfilment of their needs by invoking the deceased and invoking through the deceased near his grave. This is in contrast to their worship and invocation of Allâh. Because most of the time, they do this only because they are obligated with worshipping Allâh or due to customs. To the point that when the enemies (Tatar) who exited the fold of the Islamic Sharî'ah came to Damascus, they went out seeking aid from the deceased near the graves of those whom they yearn for the removal of their distress. One of the poets said,

"O one who is from the Tatars afraid... From the grave of Abû Umar, seek aid!"

Or he said,

"Seek refuge in the grave of Abû Umar... He will save you from the distress."

I said to them: If those whom you seek aid from were with you in the battle, they would have lost like those Muslims who lost the battle on the day of Uhud. This is because Allâh has decreed that the army was decimated due to reasons He decreed and due to the wisdom of Allâh Azza wa Jalla in this matter. This is why the possessors of knowledge regarding the religion and Mukâshafah did not participate in the battle this time because it was not a Shar'î battle commanded by Allâh and His messenger.

After this, we began to command them with sincerely devoting the religion for Allâh and seeking aid from Allâh, that aid can only be sought from Allâh, and that aid cannot be sought from a near angel or sent prophet.

When the people corrected their affairs and were truthful in seeking aid from their Lord, their Lord helped them against their enemies in an unprecedented manner. The Tatars were never defeated in that manner, since the unification of Allâh and obeying His Messenger which was previously absent was corrected. This is due to the fact that Allâh helps His Messenger and those who believe in this worldly life and on the day when the witnesses shall stand. As Allâhu Taâlâ said regarding the day of Badr,

"When you sought help from your Lord, and He answered you." (al-Anfâl, 8/9)

It is narrated that the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam used to say on the day of Badr, "O Hayy, O Qayyûm! There is no -true- deity -worthy of worship- except You! By Your mercy, I seek aid from You!"

In another narration he Sallallâhu Alayhi wa Sallam said, "Correct all my affairs for me and do not place me or anything from Your creation in charge of my soul even for the twinkling of an eye."176

"As for these people, they invoke the deceased and absent, and one of them will say, "I seek aid from you! I seek protection from you! Save us! Free us!" He also says, "You know my sins!" Some of them say to the deceased, "Forgive me! Have mercy on me! Pardon me!" And similar statements.

The intelligent ones amongst them who do not say this rather say, "I complain to you regarding my sins! I complain to you regarding my enemies! I complain to you regarding the oppression of the governors, the manifestation of innovations, the bareness of this era, and other things!" Thus, he complains to him regarding what harm pertaining to the religion or the world befell him, and his point in complaining is that he complains and the deceased will remove this harm. Alongside this, they might also say, "You know what harm befell me! You also know the sins I committed!"

Thus, he deems the deceased or the living absent person, knowledgeable regarding the sins of the servants and minor details which a living or deceased person cannot know. Some of them utter their requests and complaints without restrictions thinking that the deceased will fulfill their needs, just as a person addresses his Lord with his requests and needs due to His Lord being capable of changing it in any manner and that his request is a means and cause even though the requester does not know its method.

The intelligent ones amongst them say: "Our point is that Rasûlullâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam asks Allâh on our behalf." They deem that when they ask Rasûlullâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam after his demise to ask Allâh on their behalf, he asks and intercedes for them. Just as Rasûlullâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam asked and interceded when the Sahâbah Radiyallâhu Anhum asked him for the rain prayer and for other things and as he will intercede on the Day of Resurrection when he will be asked to intercede.

However, they do not know that requesting from the deceased or the absent is not prescribed what-so-ever and none of the Sahâbah did this, rather, they turned away from requesting from him and asking him for invocation, and turned to requesting from others and asking others for invocation. They also do not know that the things which were sought from the Messenger Sallallâhu Alayhi wa Sallam, other prophets, the righteous, and others during their lifetime cannot be sought from after their death. And Allâh knows best."

End quote in summary from Shaykh'ul Islâm Ibnu Taymiyyah.




174- Allâhu Taâlâ said in the verse,

"And they said: Never leave your deities and never leave Wadd, nor Suwâ, nor Yaghûth, nor Ya'ûq nor Nasr." (Nûh, 71/23)

175- Ibnu Taymiyyah, al-Istighâthah fi'r Raddi ala'l Bakrî, p. 403-404.

176- Ibnu Taymiyyah, al-Istighâthah fi'r Raddi ala'l Bakrî, p. 411-414.
#38

The Plot of Satan Against the People of Innovation: Changing the Name of Shirk

One of the plots of satan against the innovators from this nation who associate people in the graves and others with Allâh is the following;

When an enemy of Allâh knows that all of those who recite the Qur'ân and hear it hate Shirk and worshipping other than Allâh, he casts into the hearts of the ignorant that what they commit near those in the graves and others is not worshipping them, but rather, it is mediation, asking for intercession from them, seeking refuge in them, etc.

Therefore, the enemy of Allâh stripped the titles of Ibâdah and Shirk from their hearts and gave them titles that the hearts would not hate. Then the enemy of Allâh wished to delude them further and the Fitnah became greater such that some who are attributed to knowledge and religion facilitated for them what they commit of Shirk and argued for them with false arguments. To Allâh we belong and to Him shall we return!
#39

Mentioning the View of the Imâm, Âlim, Allâmah, the Hâfidh of Maghrib, the Imam of the [Ahl'us] Sunnah of His Era Abû Umar Yûsuf bin Abdillâh bin Abd'il Barr an-Namrî al-Andalusî, the Author of at-Tamhîd, al-Istidhkâr, and Extremely Valuable Works

While commenting on the eighth Hadîth of Ibnu Shihâb, he said in his book at-Tamhîd,

"The chain of narration for the Hadîth of Nuzûl is authentic. The people of Hadîth did not dispute its authenticity. In this hadith, there is evidence that Allâh Azza wa Jalla is in the sky, above the Arsh above the seven heavens, as was stated by the Jamâ'ah. This Hadîth is [among] their evidence[s ] against the Mu'tazilah and Jahmiyyah regarding their view that "Allâh is everywhere and not above the Arsh."

The evidence regarding the authenticity of the view of the people of truth regarding this is the statement by Allâhu Taâlâ,


‌﴿‌الرَّحْمَنُ ‌عَلَى ‌الْعَرْشِ ‌اسْتَوَى﴾

"Ar-Rahmân did Istiwâ above the Throne." (Tâ-Hâ, 20/5)

And the statement by Allâh,


‌﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾

"Do you feel secure from He, Who is in the heaven (Allâh)?" (al-Mulk, 67/16)

The meaning of "He, Who is in the heaven (Allâh)," is He Who is above the Arsh. Fî sometimes means Alâ.261 Do you not see Allâhu Taâlâ's statement?


‌﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ﴾

"So, travel freely, through the earth." (at-Tawbah, 9/2)

Meaning on the earth. Likewise, is Allâhu Taâlâ's statement,


‌﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾

"I will crucify you on the trunks of palm-trees." (Tâ-Hâ, 20/71)

This is supported by Allâhu Taâlâ's statement,


‌﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾

"The angels and the Spirit ascend to Him." (al-Ma'ârij, 70/4)

This is also supported by similar verses. All of these verses are clear in abolishing the view of the Mu'tazilah.

As for their claim of Istiwâ being figurative, and their view regarding interpretating Istawâ (He did Istiwâ) as Istawlâ (He conquered), then this has no meaning. This is because linguistically, this is not apparent. Linguistically, the meaning of Istîlâ is striving to conquer. Whereas nothing can conquer Allâh.

From the rights of speech is to construe it according to its proper sense, unless the Ummah agrees that with it is intended figurative speech. This is because there is no other way to follow what has been revealed to us from our Lord. If we were to accept every claimant's claim regarding something being figurative speech, none of the acts of worship would be established. However, it only befits Allâh to address the Ummah with that which the Arabs comprehend, according to what is known in their dialogues and the meaning of which is valid in the presence of the listeners.

Linguistically, Istiwâ is known and understood. Istiwâ means Uluww (being above), rising above something, to settle, and becoming established in it.

Abû Ubaydah said regarding Allâhu Taâlâ's statement,


‌﴿‌الرَّحْمَنُ ‌عَلَى ‌الْعَرْشِ ‌اسْتَوَى﴾

"Ar-Rahmân did Istiwâ above the Throne." (Tâ-Hâ, 20/5)

He said: This means He rose. [He also said:] The Arabs say: I have done Istiwâ (rose) above the beast, I have done Istiwâ (rose) above the house.

Others said: Istiwâ means settling, and for this, he brought as evidence the statement by Allâh,


‌﴿‌وَلَمَّا ‌بَلَغَ ‌أَشُدَّهُ ‌وَاسْتَوَى﴾

"And when he attained his full strength and did Istiwâ (was mentally mature)." (al-Qasas, 28/14)

That is, when his youth came to an end and established. So, he was no longer in his youth.

Ibnu Abd'il Barr said: Istiwâ means to settle in Uluww. This is how Allâh Azza wa Jalla has addressed us in his Book while he said,


‌﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾

"So that you may do Istiwâ (rise) upon their back." (az-Zukhruf, 43/13)

Allâh also said,


‌﴿‌فَإِذَا ‌اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾

"So, when you and those with you have done Istiwâ above (boarded) the ship..." (al-Mu'minûn, 23/28)

Allâh also said,


‌﴿‌وَاسْتَوَتْ ‌عَلَى ‌الْجُودِيِّ﴾

"And the ship did Istiwâ (came to rest) on mount Jûdî." (Hûd, 11/44)"262



261- Refer to the 56th footnote.

262- With similar wording in Ibnu Abd'il Barr, at-Tamhîd, Mu'assasat'ul Furqân, 5/139-142.
#40

[Evidences Brought Forth Regarding Seeking Istighâthah from the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam]

(Ibnu Taymiyyah Rahimahullâh said in continuation,)

"Al-Bakrî brought as evidence the Hadîth of the blind man who said, "O Allâh! I ask You and I turn towards You through Your Nabî Muhammad, the Nabî of mercy."167

Whereas, this Hadîth is not evidence for him due to two points:

The first: This is not Istighâthah, rather it is turning towards Allâh through the Nabî.

The second: The blind man only turned towards Allâh through the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam's supplication and intercession, since he asked the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam to supplicate and he said in the end of his invocation, "O Allâh! Make him an intercessor on my behalf!"168

Thereby, it is known that the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam made intercession for him. This man made Tawassul through the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam's intercession and not by his essence. Likewise, the Sahâbah made Tawassul through the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam's supplication in the rain prayer, as they made Tawassul through the Du'â of Abbâs Radiyallâhu Anh after the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam's death."169

"Likewise, it is mentioned in the beginning of the Hadîth that he asked the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam to supplicate on his behalf. So, this Hadîth denotes that the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam interceded and supplicated for him, and that the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam commanded him to invoke Allâhu Taâlâ and ask Him to accept the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam's intercession.

As for the man's statement, "O Muhammad! I turn towards my Lord through you in this need of mine so that He fulfills it!" This was said addressing the person recalled in his heart. Just as we say in our prayer, "Peace be upon you, o Nabî, and the mercy and blessings of Allâh!" Likewise, man recalls those he loves and hates in his heart and speaks with them. Such examples are ample."170

"As for what al-Bakrî mentioned consisting of the Tawassul of Âdam171 and the story of al-Mansûr172, its answer is given from two aspects:

The first: These do not have an origin, they cannot be brought forth as an argument, and they do not have a chain of narration.

The second: Even if these did denote to making Tawassul through the essence of the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam, they do not denote to making Istighâthah with him.

As for the camel complaining to the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam, this is like humans complaining to him. People always did Istighâthah with him during his lifetime as they will do Istighâthah with him on the day of judgement.

We previously said that when one requests something that fits the position of Rasûlullâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam, then there is no disagreement regarding this. Requesting from him and making Istighâthah with him during his lifetime in what he is capable of are issues on which nobody disagrees.

What al-Bakrî mentioned is not evidence for the primary dispute. However, this man (al-Bakrî) took the word al-Istighâthah and its general meaning and started confusing others with it. What he mentioned only suits one who says, "Nobody can do Istighâthah with the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam in anything, whether he be living or dead." It is well known that a sane person will not say this regarding individuals from the common masses, let alone the righteous, let alone the prophets and messengers, and let alone the master of the firsts and lasts. While it is definitely possible to seek Istighâthah from everybody in some matters, then what about the best of the creation and their most noble according to Allâh? However, the negation returns to two things: Seeking Istighâthah from the Nabî Sallallâhu Alayhi wa Sallam after his death and requesting from him what no one other than Allâhu Taâlâ is capable of doing."173




167- At-Tirmidhî, Hadîth no. 3578; Ibnu Mâjah, Hadîth no. 1385; Ibnu Khuzaymah, Sahîh, Hadîth no. 1219; an-Nasâ'î, as-Sunan'ul Kubrâ, Hadîth no. 10419-10421.

168- At-Tirmidhî, Hadîth no. 3578; Ibnu Mâjah, Hadîth no. 1385; Ibnu Khuzaymah, Sahîh, Hadîth no. 1219; an-Nasâ'î, as-Sunan'ul Kubrâ, Hadîth no. 10419-10421.

169- Ibnu Taymiyyah, al-Istighâthah fi'r Raddi ala'l Bakrî, p. 257-262.

170- With similar wording in Ibnu Taymiyyah, Iqtidhâ'us Sirât'il Mustaqîm, 2/318-319.

171- The story al-Bakrî brought forth as evidence is narrated as follows: Umar Ibn'ul Khattâb Radiyallâhu Anh said: Rasûlullâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam said,

"When Âdam committed the sin, he said: O Lord! I ask You for the right of Muhammad to forgive me!
Allâh said: O Âdam! How do you know Muhammad while I have not created him?

Âdam said: O Lord! I know him, because when You created me with Your hand and blew in me from Your soul, I raised my head and saw that La Ilaha Illallâh Muhammad'un Rasûlullâh was written on the pillars of the Arsh. I knew that You will not place anyone's name beside Your name unless he is the most beloved of all creation to You!

Allâh said: You have spoken the truth, O Âdam! Muhammad is indeed the most beloved of the creation to Me. Invoke Me for his right, and I have forgiven you. Was it not for Muhammad, I would have not created you."

After narrating the Hadîth, al-Hâkim said, "This is a Hadîth with a sound chain of narration." Whereas ad-Dhahabî graded it to be fabricated. (al-Hâkim, al-Mustadrak ala's Sahîhayn, Ilmiyyah, 2/672)

172- The story of al-Mansûr brought forth by al-Bakrî as evidence is narrated as follows: Ibnu Humayd said: The Leader of the Believers Abû Ja'far (al-Mansûr) debated Mâlik in the mosque of the Messenger of Allâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam.

Mâlik said to him, "O Leader of the Believers! Do not raise your voice in this mosque. For Allâhu Taâlâ has disciplined a group by saying, "Do not raise your voices above the voice of the Prophet." (al-Hujurât, 49/2) He praised a group by saying, "Surely, those who lower their voices before the Messenger of Allâh..." (al-Hujurât, 49/3) And He criticized a group by saying, "As for those who call you." (al-Hujurât, 49/4) The honour of the Messenger of Allâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam when he is deceased is like his honour when he was alive."

Upon this, Abû Ja'far humbled himself and said, "O Abû Abdillâh! Should I invoke facing the Qiblah or facing the Messenger of Allâh Sallallâhu Alayhi wa Sallam?"

Mâlik said, "Why should you turn your face away from him while he is your mediator and the mediator of your father Âdam Alayh'is Salâm in the presence of Allâhu Taâlâ on the day of judgement? Rather, face him, make him an intercessor so that Allâh will make him an intercessor. Allâhu Taâlâ said, "Had they, after having wronged themselves..." (an-Nisâ, 4/64)" (al-Qâdhî Iyâdh, ash-Shifâ with the annotative commentary of ash-Shumanî, 2/40-41)

173- Ibnu Taymiyyah, al-Istighâthah fi'r Raddi ala'l Bakrî, p. 262-268.
🡱 🡳