Call to Tawhid

رسالة في النفاق بقسميه وصفات المنافقين | الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

Started by Subul’us Salâm, 31.10.2022, 02:15

Previous topic - Next topic

Subul’us Salâm


رِسَالَةٌ فيِ النِّفَاقِ بِقِسْمَيْهِ وصِفَاتِ المُنَافِقِينَ1

تَأْلِيف: الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

اَلنِّفَاقُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ

قَالَ: أَسْكَنَهُ اللهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى:

اِعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُنْذُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعَزَّهُ بِالْهِجْرَةِ وَالنَّصْرِ صَارَ النَّاسُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ:

1- قِسْمٌ مُؤْمِنُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا،

2- وَقِسْمٌ كُفَّارٌ، وَهُمُ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ بِهِ،

3- وَقِسْمٌ مُنَافِقُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ظَاهِرًا لاَ بَاطِنًا.

وَلِهٰذَا افْتَتَحَ اللهُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِأَرْبَعِ آيَاتٍ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَآيَتَيْنِ فِي صِفَةِ الْكَافِرِينَ، وَثَلاَثَ عَشْرَةَ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ لَهُ دَعَائِمُ وَشُعَبُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَكَمَا فَسَّرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنْهُ،

فَمِنَ النِّفَاقِ مَا هُوَ نِفَاقٌ أَكْبَرُ وَيَكُونُ صَاحِبُهُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ كَنِفَاقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ، مِثْلَ أنْ يُظْهِرَ تَكْذِيبَ الرَّسُولِ أَوْ جُحُودَ بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ أَوْ بُغْضَهُ أَوْ عَدَمَ اعْتِقَادِ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، أَوِ الْمَسَرَّةَ بِانْخِفَاضِ دِينِهِ، أَوِ الْمَسَاءَةَ بِظُهُورِ دِينِهِ، وَنَحْوَ ذٰلِكَ مِمَّا لاَ يَكُونُ صَاحِبُهُ إِلاَّ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَرَسُولِهِ.

وَهٰذَا الْقَدْرُ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا زَالَ بَعْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَهْدِهِ. لِكَوْنِ مُوجِبَاتِ الْإِيمَانِ عَلَى عَهْدِهِ أَقْوَى، فَإِذَا كَانَتْ مَعَ قُوَّتِهَا وَالنِّفَاقُ مَوْجُودٌ فَوُجُودُهُ فِيمَا دُونَ ذٰلِكَ أَوْلَى بِهِ.

وَهٰذَا ضَرْبُ النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ.

وَأَمَّا النِّفَاقُ الْأَصْغَرُ فَهُوَ نِفَاقُ الْأَعْمَالِ وَنْحَوِهَا، مِثْلُ أَنْ يَكْذِبَ إِذَا حَدَّثَ وَيُخْلِفَ إِذَا وَعَدَ، أَوْ يَخُونَ إِذَا ائْتُمِنَ. لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ».2

صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ

وَمِنْ هٰذَا الْبَابِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْجِهَادِ، فَإِنَّهُ مِنْ خِصَالِ الْمُنَافِقِينَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ»3 رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ سُورَةَ بَرَاءَةٍ الَّتِي تُسَمَّى الْفَاضِحَةُ لِأَنَّهَا فَضَحَتِ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ "هِيَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ (وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ) حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا."

وَعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: "هِيَ سُورَةُ الْبَحُوثِ لِأَنَّهَا بَحَثَتْ عَنْ سَرَائِرِ الْمُنَافِقِينَ."

وَقَالَ قَتَادَةُ: "هِيَ الْمُثِيرَةُ لِأَنَّهَا أَثَارَتْ مَخَازِيَ الْمُنَافِقِينَ. "

وَهٰذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَغَازِي رُسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَزْوَةِ تَبُوكِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللهُ الْإِسْلاَمَ وَأَظْهَرَهُ فَكَشَفَ فِيهَا عَنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَوَصَفَهُمْ فِيهَا بِالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ. فَأَمَّا الْجُبْنُ فَهُوَ تَرْكُ الْجِهَادِ، وَأَمَّا الْبُخْلُ فَهُوَ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ. 

وَقَالَ تَعَالَى:

﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ.﴾ [آل عمران: 180] اَلْآيَة. وَقَالَ:

﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ.﴾ [الانفال: 16] اَلْآيَة.

فَأَمَّا وَصْفُهُمْ فِيهَا بِالْجُبْنِ وَالْفَزَعِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ. لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً.﴾ [التوبة: 56–57] يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ مِثْلَ الْمَعَاقِلِ وَالْحُصُونِ،

﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ [التوبة: 57] يَغُورُونَ فِيهَا كَمَا يَغُورُ الْمَاءُ،

﴿أَوْ مُدَّخَلاً﴾ [التوبة: 57] وَهُوَ الَّذِي يُتَكَلَّفُ الدُّخُولُ إِلَيْهِ وَلَوْ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ،

﴿لَوَلَّوْا إِلَيْهِ﴾ [التوبة: 57] عَنِ الْجِهَادِ،

﴿وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ [التوبة: 57] أَيْ: يُسْرِعُونَ إِسْرَاعًا لاَ يَرُدُّهُمْ شَيْءٌ كَالْفَرَسِ الْجَمُوحِ الَّذِي إِذَا حَمَلَ لَمْ يَرُدَّهُ اللِّجَامُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ.﴾ [الحجرات: 15]

فَحَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ وَقَالَ تَعَالَى:

﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.﴾ [التوبة: 44] اَلْآيَتَيْن.

فَهٰذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَسْتَأْذِنُ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ وَإِنَّمَا يَسْتَأْذِنُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، فَكَيْفَ بِالتَّارِكِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ؟

وَقَالَ فِي وَصْفِهِمْ بِالشُّحِّ:

﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ.﴾ [التوبة: 54] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ.﴾ [التوبة: 54]

فَإِذَا كَانَ هٰذَا ذَمُّ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَنْ أَنْفَقَ وَهُوَ كَارِهٌ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَرَكَ النَّفَقَةَ رَأْسًا.

وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لمَاَّ قَرُبُوا مِنَ الْمَدِينَةِ؛ تَارَةً يَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ:

هٰذَا الَّذِي جَرَى عَلَيْنَا بِشُؤْمِكُمْ، فَأَنْتُمُ الَّذِينَ دَعَوْتُمُ النَّاسَ إِلَى هٰذَا الدِّينَ وَقَاتَلْتُمْ عَلَيْهِ وَخَالَفْتُمُوهُمْ. وَتَارَةً يَقُولُونَ:

أَنْتُمُ الَّذِينَ أَشَرْتُمْ عَلَيْنَا بِالْمُقَامِ هُنَا وَإِلاَّ لَوْ كُنَّا قَدْ سَافَرْنَا، مَا أَصَابَنَا هٰذَا. وَتَارَةً يَقُولُونَ:

أَنْتُمْ مَعَ قِلَّتِكُمْ وَضَعْفِكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَكْسِرُوا الْعَدُوَّ وَقَدْ غَرَّكُمْ دِينكُمْ.

وَتَارَةً يَقُولُونَ: أَنْتُمْ مَجَانِينُ لاَ عَقْلَ لَكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ وَتُهْلِكُوا النَّاسَ مَعَكُمْ.

وَتَارَةً يَقُولُونَ أَنْوَاعًا مِنَ الْكَلاَمِ الْمُؤْذِيِّ، فَأَخْبَرَ اللهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً.﴾ [الأحزاب: 20]

فَوَصَفَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ:

اَلْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ لِخَوْفِهِمْ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنِ الْبَلَدِ وَهٰذَا حَالُ الْجَبَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، فَإِنَّ قَلْبَهُ يُبَادِرُ إِلَى تَصْدِيقِ الْخَبَرِ الْمَخُوفِ وَتَكْذِيبِ خَبَرِ الْأَمْنِ.

اَلْوَصْفُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَحْزَابَ إِذَا جَاؤُا تَمَنَّوْا أَنْ لاَ يَكُونُوا بَيْنَكُمْ بَلْ فِي الْبَادِيَةِ بَيْنَ الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ: إِيشْ خَبَرُ الْمَدِينَةِ؟ وَإِيشْ خَبَرُ النَّاسِ؟

اَلْوَصْفُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَحْزَابَ إِذَا أَتَوْا، وَهُمْ فِيكُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا إِلاَّ قَلِيلاً. وَهٰذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلاَثُ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.



1- اَلْجَوَاهِرُ الْمُضِيَّةُ، 12-14 (فِي: مَجْمُوعَةِ الرَّسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ النَّجْدِيَّةِ، 12/4-14).

2- مُسْلِمٌ: 59.

3- مُسْلِمٌ: 1910.
"If the ignorant persists, gets haughty, is determined upon his transgression and misguidance, chooses blindness over guidance, and if what he falls into and disputes with regards to is Shirk Akbar (major Shirk) that brings the person who commits it out of the fold of the faction of Muslims to the party of polytheists, then in this case, the just verdict is the sword!" (al-Fath'ur Rabbânî min Fatâwâ'l Imâm ash-Shawkânî, 1/185)

🡱 🡳

Similar topics (5)