Tevhide Davet

14 Zu'l-ka'de 1445, 00:58

Haberler:

Telegram adresimiz: https://t.me/darultawhid

Ana Menü

Son İletiler

#21
Selef-i Salihin Akidesi / Ynt: ET-TUHFET'UL MEDENİYYE Fİ...
Son İleti Gönderen İ'tisam - 04.04.2024, 16:47

(İbnu Abd'il Berr Rahimehullâh, devamla der ki:)

"Abdullâh bin Dâvûd el-Vâsitî'nin rivayet ettiği hadis ile (dalalete) meyledenlere gelince, o İbrâhîm bin Abd'is Samed'den, o da Abdullâh bin Mücahid'den, o da babasından, o da İbnu Abbâs'tan rivayet ettiğine göre Allâh'ın,

﴿‌الرَّحْمَنُ ‌عَلَى ‌الْعَرْشِ ‌اسْتَوَى﴾

"Rahman Arşa istivâ etti." (Tâ Hâ, 20/5)

Buyruğu hakkında İbnu Abbâs şöyle demiştir: "Bütün yarattığı şeyleri istilâ etti, hiçbir mekân O'ndan hali değildir."

Cevap şudur: Bu hadis münkerdir. Onu nakledenler meçhul ve zayıftır. Abdullâh bin Dâvûd el-Vâsitî ve İbnu Mucâhid'e gelince, onlar zayıftır. İbrâhîm bin Abd'is Samed, bilinmeyen, meçhul birisidir. Onlar adil ravilerin ahad haberlerini kabul etmiyorlar. Durum böyleyken bu hadis gibi olanlarla nasıl ihticac ederler? Keşke akletseler!

Allâhu Teâlâ'nın şu buyruğunu işitmediler mi?

﴿‌وَقَالَ ‌فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ۞ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾

"Firavun: Ey Hâmân, bana yüksek bir kule yap; belki yollara, göklerin yollarına erişirim de Mûsâ'nın İlâhı'nı görürüm! Doğrusu ben onu, yalancı sanıyorum, dedi..." (Gâfir, 40/36-37)

Allâhu Teâlâ'nın bu buyruğu, Mûsâ Aleyh'is Selâm'ın "İlâh'ım semadadır" dediğine ve Firavun'un onun yalancı olduğunu düşündüğüne delalet eder.

Eğer Allâhu Teâlâ'nın şu buyruğu ile ihticac ederlerse:

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

"Ve O, gökte İlâh'tır ve yerde İlâh'tır." (ez-Zuhruf, 43/84)

Yine Allâhu Teâlâ'nın şu buyruğu ile ihticac ederlerse:

﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ﴾

"Göklerde ve yerde Allâh O'dur." (el-En'âm, 6/3)

Yine Allâhu Teâlâ'nın şu buyruğu ile ihticac ederlerse:

﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ

"Üç kişinin gizli konuştuğu yerde dördüncüsü mutlaka O'dur." (el-Mucâdele, 58/7)

Allâhu Teâlâ'nın nefsi ve zatı ile her yerde olduğunu iddia ettiler. Allâh'ın ismi mübarek, şanı yücedir.

Onlara denilir ki: Bizim aramızda, sizin aranızda ve geriye kalan ümmetin arasında Allâh'ın zatı ile semanın altında, yerde olmadığı hususunda bir ihtilaf yoktur. O zaman bu ayetleri, üzerinde icma edilmiş sahih manaya hamletmek vaciptir. Bu sahih mana da Allâh'ın semada ilâh olduğu, yani sema ehli katında ibadet edilen olduğu ve Allâh'ın yeryüzünde ilâh olduğu, yani yeryüzü ehli katında ibadet edilen olduğudur. Keza, tefsir ilminin erbabı da böyle demiştir. Tenzîl'in (Kuran'ın) zahiri, Allâh'ın arşın üzerinde olduğuna şahitlik eder. Dolayısıyla bu konudaki ihtilaf sakıt olur. Zahir ile mutlu olanlar, insanların en mutlularıdır.

Allâhu Teâlâ'nın diğer ayetteki şu buyruğuna gelince:

﴿وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾

"Ve O, yerde İlâh'tır." (ez-Zuhruf, 43/84)

Bundan kastın, yeryüzü ehli katında ibadet edilen olması icmaen ve ittifaken açıklanmıştır. Bunun üzerine düşün, zira bu katidir [inşallah].

Allâh Azze ve Celle'nin yedi kat semanın üstünde, arşının üzerinde olması hakkındaki hüccetlerden biri de Arap olsun acem olsun tüm Muvahhidlerin, bir işte hüzünlendiklerinde ve üzerlerine bir sıkıntı indiğinde, yüzlerini semaya kaldırıp, ellerini semaya doğru kaldırarak Rableri olan Allâh Tebâreke ve Teâlâ'dan yardım istemeleridir. Bu avam arasında da havas arasında da çokça anlatılmasına ihtiyaç duyulmayacak kadar meşhur ve maruftur.

Rasûlullâh Sallallâhu Aleyhi ve Sellem siyahi cariyeye dedi ki: "Allâh nerededir?" Cariye semayı işaret etti. Sonra Rasûlullâh ona dedi ki: "Ben kimim?" Cariye dedi ki: "Allâh'ın Rasûlü'sün." Rasûlullâh dedi ki: "Onu azat et, şüphesiz o müminedir!" [263] Rasûlullâh Sallallâhu Aleyhi ve Sellem, cariyenin başını semaya kaldırması ile yetindi."[264]


[263] Yakın lafızlarla Muslim, Hadis no: 537; Ebû Dâvûd, Hadis no: 930; Nesâ'î, Hadis no: 1218.

[264] Yakın lafızlarla İbnu Abd'il Berr, et-Temhîd, Mu'esseset'ul Furkân, 5/143-145.
#22
وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَصَلَّى اللّٰهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ
وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
آخِرُ الْكِتَابِ / تَمَّتْ
وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ عَلَى ذٰلِكَ
#23
بَابُ
مَا تَأَوَّلَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ.﴾ [الحديد: ٣]

فَزَعَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْخَلْقِ فَصَدَقُوا.

وَقَالُوا: يَكُونُ الْآخِرُ بَعْدَ الْخَلْقِ، فَلَا تَبْقَى سَمَاءٌ وَلَا أَرْضٌ، وَلَا جَنَّةٌ وَلَا نَارٌ، وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَلَا عَرْشٌ وَلَا كُرْسِيٌّ.

وَزَعَمُوا أَنَّ شَيْئًا مَعَ اللّٰهِ لَا يَكُونُ، هُوَ الْآخِرُ كَمَا كَانَ.

فَأَضَلُّوا بِهٰذَا بَشَرًا كَثِيرًا.

فَقُلْنَا: أَخْبَرَنَا اللّٰهُ عَنِ الْجَنَّةِ وَدَوَامِ أَهْلِهَا فِيهَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

﴿لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ.﴾ [التوبة: ٢١].

وَقَالَ:

﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا.﴾ [النساء: ٥٧].

وَقَالَ:

﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ.﴾ [الرعد: ٣٥]،

فَإِذَا قَالَ اللّٰهُ: ﴿دَائِمٌ.﴾ [الرعد: ٣٥] أَيْ: لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا. وَقَالَ:

﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ.﴾ [الحجر: ٤٨].

وَقَالَ:

﴿وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ.﴾ [غافر: ٣٩].

وَقَالَ:

﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِـيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.﴾ [العنكبوت: ٦٤].

وَقَالَ:

﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا.﴾ [الكهف: ٣].

وَقَالَ:

﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّٰهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.﴾ [آل عمران: ١٠٧].

وَقَالَ:

﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ۞ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ.﴾ [الواقعة: ٣٢-٣٣].

وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَ النَّارِ فَقَالَ:

﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا.﴾ [فاطر: ٣٦].

وَقَالَ:

﴿أُولٰئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي.﴾ [العنكبوت: ٢٣]،

وَقَالَ:

﴿لَا يَنَالُهُمُ اللّٰهُ بِرَحْمَةٍ.﴾ [الأعراف: ٤٩].

وَقَالَ:

﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ.﴾ [الزخرف: ٧٧].

وَقَالَ:

﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ.﴾ [إبراهيم: ٢١].

وَقَالَ:

﴿خَالِدِينَ فِيهَا أُولٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ.﴾ [البينة : ٦].

وَقَالَ:

﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا.﴾ [النساء: ٥٦].

وَقَالَ:

﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا.﴾ [السجدة : ٢٠].

وَقَالَ:

﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ.﴾ [الهمزة : ٨]،

وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ.

وَأَمَّا السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ فَقَدْ زَالَتَا لِأَنَّ أَهْلَهَا صَارُوا إِلَى الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَى النَّارِ.

وَأَمَّا الْعَرْشُ فَلَا يَبِيدُ، وَلَا يَذْهَبُ لِأَنَّهُ سَقْفُ الْجَنَّةِ، وَاللّٰهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا يَهْلِكُ وَلَا يَبِيدُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.﴾ [القصص: ٨٨]،

وَذٰلِكَ أَنَّ اللّٰهَ أَنْزَلَ:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ.﴾ [الرحمن: ٢٦].

قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: هَلَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ، فَطَمِعُوا فِي الْبَقَاءِ، فَأَنْزَلَ اللّٰهُ مُخْبِرًا عَنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ، وَقَالَ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ.﴾ يَعْنِي: مِنَ الْحَيَوَانِ ﴿هَالِكٌ.﴾ يَعْنِي: مَيِّتٌ، ﴿إِلَّا وَجْهَهُ.﴾ [القصص: ٨٨]، لِأَنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَأَيْقَنُوا عِنْدَ ذٰلِكَ بِالْمَوْتِ.

وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيَّةِ حِينَ زَعَمُوا أَنَّ اللّٰهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ دُونَ مَكَانٍ.

فَقُلْنَا لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ قَوْلِ اللّٰهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:

﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

لِمَ تَجَلَّى لِلْجَبَلِ إِنْ كَانَ فِيهِ بِزَعْمِكُمْ؟!

فَلَوْ كَانَ فِيهِ كَمَا تَزْعُمُونَ لَمْ يَكُنْ يَتَجَلَّى لِشَيْءٍ هُوَ فِيهِ، وَلٰكِنَّ اللّٰهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَتَجَلَّى لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، وَرَأَى الْجَبَلُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ رَآهُ قَطُّ قَبْلَ ذٰلِكَ.

وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيَّةِ: اَللّٰهُ نُورٌ؟

فَقَالُوا: هُوَ نُورٌ كُلُّهُ.

فَقُلْنَا: فَإِنَّ اللّٰهَ قَالَ:

﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا.﴾ [الزمر: ٦٩]،

فَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ لَهُ نُورًا.

وَقُلْنَا لَهُمْ: أَخْبِرُونَا حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَهُوَ نُورٌ فَلِمَ لَا يُضِيءُ الْبَيْتُ الْمُظْلِمُ مِنْ النُّورِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إِذْ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟

وَمَا بَالُ السِّرَاجِ إِذَا أُدْخِلَ الْبَيْتَ يُضِيءُ؟

فَعِنْدَ ذٰلِكَ تَبَيَّنَ لِلنَّاسِ كَذِبَهُمْ عَلَى اللّٰهِ.

فَرَحِمَ اللّٰهُ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللّٰهِ، وَرَجَعَ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَقَالَ بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ: وَهُوَ قَوْلُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَرَكَ دِينَ الشَّيَاطِينِ وَدِينَ جَهْمٍ وَشِيعَتِهِ.
#24
بَابُ
مَا ادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ

فَقَالُوا: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ الْقُرْآنَ يَجِيءُ فِي صُورَةِ الشَّابِّ الشَّاحِبِ، فَيَأْتِي صَاحِبَهُ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُ نَهَارَكَ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ.

قَالَ: فَيَأْتِي بِهِ اللّٰهَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ...».


فَادَّعَوْا أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ مِنْ قِبَلِ هٰذِهِ الْأَحَادِيثِ.

فَقُلْنَا لَهُمْ: اَلْقُرْآنُ لَا يَجِيءُ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَنْ قَرَأَ ﴿قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ.﴾ [الإخلاص: ١]، فَلَهُ أَجْرُ كَذَا وَكَذَا.

أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ: ﴿قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ.﴾ [الإخلاص: ١]، لَا يَجِيئُهُ إِلَّا ثَوَابُهُ؟! لِأَنَّا نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَجِيءُ ثَوَابُ الْقُرْآنِ، فَيَقُولُ: «يَا رَبِّ... » لِأَنَّ كَلَامَ اللّٰهِ لَا يَجِيءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ.

وَإِنَّمَا مَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَجِيءُ: إِنَّمَا يَجِيءُ ثَوَابُ الْقُرْآنِ: فَيَقُولُ: «يَا رَبِّ... ».
#25
بَابُ بَيَانِ مَا ذَكَرَ اللّٰهُ فِي الْقُرْآنِ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ.﴾ [الحديد: ٤]

وَهٰذَا عَلَى وُجُوهٍ:

قَوْلُ اللّٰهِ تَعَالَى لِمُوسَى:

﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى.﴾ [طه: ٤٦]،

يَقُولُ: فِي الدَّفْعِ عَنْكُمَا.

وَقَالَ:

﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنَا.﴾ [التوبة: ٤٠]،

يَقُولُ: فِي الدَّفْعِ عَنَّا.

وَقَالَ:

﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَاللّٰهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.﴾ [البقرة: ٢٤٩]،

 يَقُولُ: فِي النَّصْرِ لَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ.

وَقَوْلُهُ:

﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللّٰهُ مَعَكُمْ.﴾ [محمد :٣٥]

يَقُولُ: فِي النَّصْرِ لَكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ.

وَقَالَ:

﴿وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّٰهِ وَهُوَ مَعَهُمْ.﴾ [النساء:  ١٠٨]،

يَقُولُ: بِعِلْمِهِ فِيهِمْ.

وَقَوْلُهُ:

﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۞ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.﴾ [الشعراء: ٦١-٦٢]،

يَقُولُ: فِي الْعَوْنِ عَلَى فِرْعَوْنَ.

فَلَمَّا ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الْجَهْمِيِّ بِمَا ادَّعَى عَلَى اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مَعَ خَلْقِهِ قَالَ: هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ مُمَاسٍّ لِشَيْءٍ، وَلَا مُبَايِنٌ مِنْهُ.

فَقُلْنَا: إِذَا كَانَ غَيْرَ مُبَايِنٍ مِنْهُ، أَلَيْسَ هُوَ مُمَاسٍّ؟

قَالَ: لَا.

قُلْنَا: فَكَيْفَ يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ مُمَاسٍّ لِشَيْءٍ وَلَا مُبَايِنٍ؟

فَلَمْ يُحْسِنِ الْجَوَابَ.

فَقَالَ: بِلَا كَيْفٍ!

فَخَدَعَ الجُهَّالَ بِهٰذِهِ الْكَلِمَةِ، وَمَوَّهَ عَلَيْهِمْ.

فَقُلْنَا لَهُ: أَلَيْسَ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَيْسَ إِنَّمَا هُوَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَالْعَرْشُ وَالْهَوَاءُ؟

قَالَ: بَلَى.

فَقُلْنَا: فَأَيْنَ يَكُونُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟

قَالَ: يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا كَانَ حِينَ كَانَ فِي الدُّنْيَا فِي كُلِّ شَيْءٍ!.

فَقُلْنَا: فَإِنَّ فِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ اللّٰهِ عَلَى الْعَرْشِ فَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَمَا كَانَ مِنَ اللّٰهِ فِي الْجَنَّةِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَمَا كَانَ مِنَ اللّٰهِ فِي النَّارِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَمَا كَانَ مِنَ اللّٰهِ فِي الْهَوَاءِ فَهُوَ فِي الْهَوَاءِ.

فَعِنْدَ ذٰلِكَ تَبَيَّنَ لِلنَّاسِ كَذِبَهُمْ عَلَى اللّٰهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.

قَالَ: وَزَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّ اللّٰهَ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ اسْمٌ مَخْلُوقٌ!

فَقُلْنَا: قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ هٰذَا الِاسْمَ مَا كَانَ اسْمُهُ؟

قَالُوا: لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ!!

فَقُلْنَا: وَكَذٰلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْعِلْمَ أَكَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عِلْمًا، وَكَانَ وَلَا نُورَ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ نُورًا، وَكَانَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً؟!!

فَعَلِمَ الْخَبِيثُ أَنَّ اللّٰهَ تَعَالَى قَدْ فَضَحَهُ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ لِلنَّاسِ حِينَ زَعَمَ أَنَّ اللّٰهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ اسْمٌ مَخْلُوقٌ.

وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيِّ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِاللّٰهِ الَّذِي لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ، كَاذِبًا كَانَ لَا يَحْنَثُ؟! لِأَنَّهُ حَلَفَ بِشَيْءٍ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَحْلِفْ بِالْخَالِقِ.

فَفَضَحَهُ اللّٰهُ فِي هٰذِهِ.

وَقُلْنَا لَهُ: أَلَيْسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَالْخُلَفَاءُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَالْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ إِنَّمَا كَانُوا يُحَلِّفُونَ النَّاسَ بِاللّٰهِ الَّذِي لَا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ، فَكَانُوا فِي مَذْهَبِكُمْ مُخْطِئِينَ، إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِمَنْ بَعْدَهُ فِي مَذْهَبِكُمْ أَنْ يُحَلِّفُوا النَّاسَ بِالَّذِي خَلَقَ اسْمَ اللّٰهِ، وَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا: "لَا إِلٰهَ إِلَّا اللّٰهُ".أَنْ يَقُولُوا: "لَا إِلٰهَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَ اسْمَ اللّٰهِ"!! وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَوْحِيدُهُمْ.

فَفَضَحَهُ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا ادَّعَى عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَ.

وَلٰكِنْ نَقُولُ: إِنَّ اللّٰهَ هُوَ اللّٰهُ، وَلَيْسَ اللّٰهُ بِاسْمٍ، إِنَّمَا الْأَسْمَاءُ كُلُّ شَيْءٍ سِوَى اللّٰهِ؛ لِأَنَّ اللّٰهَ يَقُولُ:

﴿وَلِلّٰهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى.﴾ [الأعراف: ١٨٠]،

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمٌ لِاسْمٍ.

فَفِي هٰذَا بَيَانُ كُفْرِ الْجَهْمِيَّةِ.

وَقُلْنَا لَهُمْ: وَزَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ. فَبِأَيِّ شَيْءٍ خَلَقَ اللّٰهُ الْخَلْقَ:

أَمَوْجُودٌ عَنِ اللّٰهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ بِقَوْلِهِ وَبِكَلَامِهِ حِينَ قَالَ:

﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.﴾ [النحل: ٤٠].

قَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ:

﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ.﴾ [النحل: ٤٠]، يَكُونُ.

قُلْنَا لَهُمْ: فَلِمَ أَخْفَيْتُمْ ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ.﴾؟!

قَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَى كُلَّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مَعَانِيهِ. وَقَالَ اللّٰهُ مِثْلَ قَوْلِ الْعَرَبِ: قَالَ الْحَائِطُ، وَقَالَتِ النَّخْلَةُ، فَسَقَطَتْ، وَالْحَائِطُ وَالنَّخْلَةُ  لَا يَقُولَانِ شَيْئًا؟

فَقُلْنَا: فَعَلَى هٰذَا قِسْتُمْ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: فَبِأَيِّ شَيْءٍ خَلَقَ اللّٰهُ الْخَلْقَ إِنْ كَانَ اللّٰهُ فِي مَذْهَبِكُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُ؟

فَقَالُوا: بِقُدْرَتِهِ.

فَقُلْنَا: قُدْرَتُهُ هِيَ شَيْءٌ؟

فَقَالُوا: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: قُدْرَتُهُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: كَأَنَّهُ خَلَقَ خَلْقًا بِخَلْقٍ، وَعَارَضْتُمْ الْقُرْآنَ وَخَالَفْتُمُوهُ حِينَ قَالَ اللّٰهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:

﴿اَللّٰهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.﴾ [الزمر: ٦٢] فَأَخْبَرَنَا اللّٰهُ أَنَّهُ يَخْلُقُ.

وَقَالَ: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّٰهِ.﴾ [فاطر: ٣]،

فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَخْلُقُ غَيْرُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ غَيْرُهُ!

فَتَعَالَى اللّٰهُ عَمَّا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ عُلُوًّا كَبِيرًا.
#26
بَابٌ

قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ: وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْجَهْمِيَّ لَا يُقِرُّ بِعِلْمِ اللّٰهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ اللّٰهَ تَعَالَى يَقُولُ:

﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ.﴾ [البقرة: ٢٥٥].

وَقَالَ:

﴿لٰكِنِ اللّٰهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ.﴾ [النساء: ١٦٦].

وَقَالَ:

﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّٰهِ.﴾ [هود: ١٤].

وَقَالَ:

﴿وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ.﴾ [فصلت: ٤٧].

وَيُقَالُ لَهُ: تُقِرُّ بِعِلْمِ اللّٰهِ هٰذَا الَّذِي أَوْقَفْتُكَ عَلَيْهِ بِالْأَعْلَامِ، وَالدِّلَالَاتِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: "لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ" فَقَدْ كَفَرَ.

 وَإِنْ قَالَ: "لِلّٰهِ عِلْمٌ مُحْدَثٌ" كَفَرَ أَيْضًا حِينَ زَعَمَ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لَا يَعْلَمُ، حَتَّى أَحْدَثَ لَهُ عِلْمًا فَعَلِمَ.

وَإِنْ قَالَ: "لِلّٰهِ تَعَالَى عِلْمٌ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَلَا مُحْدَثٍ" رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ كُلِّهِ وَقَالَ بِقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
#27
بَابٌ

وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْجَهْمِيَّ كَاذِبٌ عَلَى اللّٰهِ حِينَ زَعَمَ أَنَّ اللّٰهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ.

فَقُلْ لَهُ: أَلَيْسَ اللّٰهُ كَانَ وَلَا شَيْءَ؟

فَسَيَقُولُ: نَعَمْ.

فَقُلْ لَهُ: حِينَ خَلَقَ اللّٰهُ الشَّيْءَ خَلَقَهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ خَارِجًا مِنْ نَفْسِهِ؟

فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا:

إِنْ زَعَمَ أَنَّ "اللّٰهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فِي نَفْسِهِ" فَقَدْ كَفَرَ، حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَقَ الْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ وَإِبْلِيسَ فِي نَفْسِهِ.

وَإِنْ قَالَ: "خَلَقَهُمْ خَارِجًا مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِمْ" كَانَ هٰذَا أَيْضًا كُفْرٌ، حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي مَكَانٍ وَحُشٍّ قَذِرٍ رَدِيءٍ.

وَإِنْ قَالَ: "خَلَقَهُمْ خَارِجًا مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ". رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ كُلِّهِ أَجْمَعْ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
#28
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ:

بَابُ
بَيَانِ مَا تَأَوَّلَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ تَعَالَى:
﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ.﴾ [المجادلة: ٧] اَلْآيَةَ.

قَالُوا: إِنَّ اللّٰهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَنَا وَفِينَا!.

فَقُلْنَا: لِمَ قَطَعْتُمُ الْخَبَرَ مِنْ أَوَّلِهِ، إِنَّ اللّٰهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ.﴾ [المجادلة: ٧]،

ثُمَّ قَالَ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ.﴾ [المجادلة: ٧]،  يَعْنِي: أَنَّ اللّٰهَ بِعِلْمِهِ رَابِعُهُمْ، ﴿وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ.﴾ [المجادلة: ٧] يَعْنِي: اَللّٰهَ بِعِلْمِهِ ﴿سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ.﴾ [المجادلة: ٧] يَعْنِي: بِعِلْمِهِ فِيهِمْ ﴿أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.﴾ [المجادلة: ٧]،

يَفْتَحُ الْخَبَرَ بِعِلْمِهِ، وَيَخْتِمُ الْخَبَرَ بِعِلْمِهِ.

وَيُقَالُ لِلْجَهْمِيِّ: إِذَا قَالَ إِنَّ اللّٰهَ مَعَنَا بِعَظَمَةِ نَفْسِهِ.

فَقُلْ لَهُ: هَلْ يَغْفِرُ اللّٰهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ؟

فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ. فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللّٰهَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ خَلْقَهُ دُونَهُ.

وَإِنْ قَالَ: لَا. كَفَرَ.
#29
بَابُ
بَيَانِ مَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ الضُّلَّالُ أَنْ يَكُونَ اللّٰهُ عَلَى الْعَرْشِ

قُلْنَا لَهُمْ: لِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ اللّٰهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.﴾ [طه: ٥]،

وَقَالَ:

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ.﴾ [الفرقان: ٥٩].

فَقَالُوا: هُوَ تَحْتَ الْأَرْضِينَ السَّابِعَةِ، كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ؛ فَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَفِي السَّمَاوَاتِ، وَفِي الْأَرْضِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ، وَلَا يَكُونُ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ.

وَتَلَوْا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ:

﴿وَهُوَ اللّٰهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ.﴾ [الأنعام: ٣].

فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَمَاكِنَ كَثِيرَةً وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ عِظَمِ الرَّبِّ شَيْءٌ.

فَقَالُوا: أَيُّ مَكَانٍ؟

قُلْنَا: أَحْشَاؤُكُمْ، وَأَجْوَافُكُمْ، وأَجْوَافُ الْخَنَازِيرِ، وَالْحُشُوشِ، وَالْأَمَاكِنُ الْقَذِرَةِ لَيْسَ فِيهَا مِنْ عِظَمِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ.

وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:

﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۞ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا.﴾ [الملك: ١٦-١٧] اَلْآيَةَ.

وَقَالَ:

﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.﴾ [فاطر: ١٠].

وَقَالَ:

﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ.﴾ [آل عمران: ٥٥].

وَقَالَ:

﴿بَلْ رَفَعَهُ اللّٰهُ إِلَيْهِ.﴾ [النساء: ١٥٨].

وَقَالَ:

﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ.﴾ [الأنبياء: ١٩] اَلْآيَةَ.

وَقَالَ:

﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ.﴾ [النحل: ٥٠].

وَقَالَ:

﴿ذِي الْمَعَارِجِ ۞ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ.﴾ [المعارج: ٣-٤].

وَقَالَ:

﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.﴾ [الأنعام : ١٨].

وَقَالَ:

﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.﴾ [البقرة : ٢٥٥، الشورى: ٤].

فَهٰذَا خَبَرُ اللّٰهِ، أَخْبَرَنَا أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ. وَوَجَدْنَا كُلَّ شَيْءٍ أَسْفَلَ مَذْمُومًا، قَالَ اللّٰهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.﴾ [النساء : ١٤٥]،

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.﴾ [فصلت :٢٩].

وَقُلْنَا لَهُمْ: أَلَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِبْلِيسَ مَكَانُهُ السُّفْلِ، وَالشَّيَاطِينُ كَذٰلِكَ مَكَانُهُمْ، فَلَمْ يَكُنِ اللّٰهُ لِيَجْتَمِعَ هُوَ وَإِبْلِيسُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ.

وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ اللّٰهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:

﴿وَهُوَ اللّٰهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ.﴾ [الأنعام: ٣].

يَقُولُ: هُوَ إِلٰهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلٰهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَقَدْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِمَا دُونَ الْعَرْشِ، لَا يَخْلُو مِنْ عِلْمِ اللّٰهِ مَكَانٌ، وَلَا يَكُونُ عِلْمُ اللّٰهِ فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ. وَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللّٰهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.﴾ [الطلاق: ١٢].

قَالَ: وَمِنَ الِاعْتِبَارِ فِي ذٰلِكَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي يَدِهِ قَدَحٌ مِنْ قَوَارِيرَ صَافٍ، وَفِيهِ شَرَابٌ صَافٍ، كَانَ بَصَرُ ابْنِ آدَمَ قَدْ أَحَاطَ بِالْقَدَحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ آدَمَ فِي الْقَدَحِ، فَاللّٰهُ سُبْحَانَهُ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ.

وَخَصْلَةٌ أُخْرَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَنَى دَارًا بِجَمِيعِ مَرَافِقِهَا، ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهَا وَخَرَجَ مِنْهَا، كَانَ ابْنُ آدَمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ كَمْ بَيْتٍ فِي دَارِهِ، وَكَمْ سَعَةِ كُلِّ بَيْتٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّارِ فِي جَوْفِ الدَّارِ.

فَاللّٰهُ سُبْحَانَهُ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ وَقَدْ عَلِمَ كَيْفَ هُوَ، وَمَا هُوَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَ.
#30
بَابُ
بَيَانِ مَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللّٰهُ كَلَّمَ مُوسَى

قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ:

فَقُلْنَا لَهُمْ: لِمَ أَنْكَرْتُمْ ذٰلِكَ؟

فَقَالُوا: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ، إِنَّمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعبَّرَ عَنِ اللّٰهِ، وَخَلَقَ صَوْتًا فَأَسْمَعَ.

وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جَوْفٍ وَلِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ!

فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَلْ يَجُوزُ لِمُكَوَّنٍ أَوْ غَيْرِ اللّٰهِ، أَنْ يَقُولَ:

﴿يَا مُوسَى ۞ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ.﴾؟ [طه: ١١-١٢]،

أَوْ يَقُولَ:

﴿إِنَّنِي أَنَا اللّٰهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي.﴾؟ [طه: ١٤]،

فَمَنْ زَعَمَ ذٰلِكَ فَقَدَ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ اللّٰهِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ. وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ الْجَهْمِيُّ أَنَّ اللّٰهَ كَوَّنَ شَيْئًا، كَانَ يَقُولُ ذٰلِكَ الْمُكَوَّنُ: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي﴾ لَسْتُ ﴿أَنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.﴾،

وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ:

﴿يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.﴾ [القصص: ٣٠].

وَقَدْ قَالَ اللّٰهُ تَعَالَى:

﴿وَكَلَّمَ اللّٰهُ مُوسَى تَكْلِيمًا.﴾ [النساء: ١٦٤]،

وَقَالَ:

﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

وَقَالَ:

﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي.﴾ [الأعراف: ١٤٤]،

فَهٰذَا مَنْصُوصُ الْقُرْآنِ.

فَأَمَّا مَا قَالُوا: "إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ"،

فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللّٰهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ.»

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "إِنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جَوْفٍ، وَفَمٍ، وَشَفَتَيْنِ، وَلِسَانٍ."، أَلَيْسَ قَالَ اللّٰهُ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:

﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ.﴾ [فصلت: ١١]،

أَتَرَاهَا أَنَّهَا قَالَتْ بِجَوْفٍ، وَفَمٍ، وَشَفَتَيْنِ، وَلِسَانٍ، وَأَدَوَاتٍ؟

وَقَالَ اللّٰهُ تَعَالَى:

﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ.﴾ [الأنبياء: ٧٩]

أَتَرَاهَا أَنَّهَا يُسَبِّحْنَ بِجَوْفٍ، وَفَمٍ، وَلِسَانٍ، وَشَفَتَيْنِ؟

وَالْجَوَارِحُ إِذَا شَهِدَتْ عَلَى الْكَافِرِ فَقَالُوا:

﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ.﴾ [فصلت: ٢١]،

أَتَرَاهَا أَنَّهَا نَطَقَتْ بِجَوْفٍ، وَفَمٍ، وَشَفَتَيْنِ وَلِسَانٍ؟ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ أَنْطَقَهَا كَيْفَ شَاءَ.

وَكَذٰلِكَ اللّٰهُ تَكَلَّمَ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ بِجَوْفٍ، وَلَا فَمٍ، وَلَا شَفَتَيْنِ، وَلَا لِسَانٍ.

قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ:

فَلَمَّا خَنَقَتْهُ الْحُجَجُ قَالَ: إِنَّ اللّٰهَ كَلَّمَ مُوسَى إِلَّا أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُهُ.

فَقُلْنَا: وَغَيْرُهُ مَخْلُوقٌ؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: هٰذَا مِثْلُ قَوْلِكُمُ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّكُمْ تَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ الشُّنْعَةَ بِمَا تُظْهِرُونَ.

وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «لَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ رَبِّهِ. قَالَ: يَا رَبِّ! هٰذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُهُ هُوَ كَلَامُكَ؟. قَالَ: نَعَمْ يَا مُوسَى هُوَ كَلَامِي، وَإِنَّمَا كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ، وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسُنِ كُلِّهَا، وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذٰلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَّمْتُكَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ بَدَنُكَ، وَلَوْ كَلَّمْتُكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ لَمُتَّ!

قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ قَالُوا لَهُ: صِفْ لَنَا كَلَامَ رَبِّكَ؟

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللّٰهِ! وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَهُ لَكُمْ! قَالُوا: فَشَبِّهْهُ.

قَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ أَصْوَاتَ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تُقْبِلُ فِي أَحْلَى حَلَاوَةٍ سَمِعْتُمُوهَا؟»


فَكَأَنَّهُ مَثَّلَهُ.

وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيَّةِ: مَنِ الْقَائِلُ لِعِيسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّٰهِ قَالَ سُبْحَانَكَ.﴾ [المائدة: ١١٦]

أَلَيْسَ اللّٰهُ هُوَ الْقَائِلُ؟

قَالُوا: يُكَوِّنُ اللّٰهُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنِ اللّٰهِ! كَمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعَبَّرَ لِمُوسَى!!

فَقُلْنَا: فَمَنِ الْقَائِلُ

﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ۞ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ.﴾ [الأعراف: ٦-٧].

أَلَيْسَ اللّٰهُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ؟

قَالُوا: هٰذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يُكَوِّنُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنِ اللّٰهِ.

فَقُلْنَا: قَدْ أَعْظَمْتُمْ عَلَى اللّٰهِ الْفِرْيَةَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ، فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَتَكَلَّمُ، وَلَا تَنْطِقُ، وَلَا تَتَحَرَّكُ، وَلَا تَزُولُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ.

فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ: إِنَّ اللّٰهَ تَعَالَى قَدْ يَتَكَلَّمُ، وَلٰكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ.

فَقُلْنَا: وَكَذٰلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ، فَشَبَّهْتُمُ اللّٰهَ بِخَلْقِهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ، فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ التَّكَلُّمَ، وَكَذٰلِكَ بَنُو آدَمَ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خَلَقَ لَهُمْ كَلَامًا! فَجَمَعْتُمْ بَيْنَ كُفْرٍ وَتَشْبِيهٍ، وَتَعَالَى اللّٰهُ عَنْ هٰذِهِ الصِّفَةِ عُلُوًّا كَبِيرًا.

بَلْ نَقُولُ: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ كَلَامًا.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ عِلْمًا فَعَلِمَ.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا قُدْرَةَ، حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا نُورَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ نُورًا.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا عَظَمَةَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عَظَمَةً.

فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ لَنَا لَمَّا وَصَفْنَا اللّٰهَ بِهٰذِهِ الصِّفَاتِ: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ وَنُورَهُ، وَاللّٰهَ وَقُدْرَتَهُ، وَاللّٰهَ وَعَظَمَتَهُ، فَقَدْ قُلْتُمْ بِقَوْلِ النَّصَارَى حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ!!

فَقُلْنَا: لَا نَقُولُ إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ، وَلٰكِنْ نَقُولُ: لَمْ يَزَلْ بِقُدْرَتِهِ، وَبِنُورِهِ، لَا مَتَى قَدَرَ، وَلَا كَيْفَ قَدَرَ.

فَقَالُوا: لَا تَكُونُوا مُوَحِّدِينَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولُوا قَدْ كَانَ اللّٰهُ وَلَا شَيْءَ!.

فَقُلْنَا: نَحْنُ نَقُولُ: قَدْ كَانَ اللّٰهُ وَلَا شَيْءَ؛ وَلٰكِنْ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا أَلَيْسَ إِنَّمَا نَصِفُ إِلٰهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ؟!

وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِي ذٰلِكَ مَثَلًا.

فَقُلْنَا: أَخْبِرُونَا عَنْ هٰذِهِ النَّخْلَةِ أَلَيْسَ لَهَا جِذْعٌ، وَكَرَبٌ، وَلِيفٌ، وَسَعَفٌ، وَخُوصٌ، وَجُمَّارٌ، وَاسْمُهَا اسْمُ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَسُمِّيَتْ نَخْلَةً بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا؟!

فَكَذٰلِكَ اللّٰهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلٰهٌ وَاحِدٌ.

وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ ولَا قُدْرَةَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ الْقُدْرَةَ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ.

وَلَا نَقُولُ: قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا عِلْمَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لَهُ عِلْمًا فَعَلِمَ، وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ هُوَ جَاهِلٌ.

وَلٰكِنْ نَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللّٰهُ عَالِمًا، قَادِرًا، مَالِكًا لَا مَتَى، وَلَا كَيْفَ.

وَقَدْ سَمَّى اللّٰهُ رَجُلًا كَافِرًا اسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، فَقَالَ:

﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: ١١]،

وَقَدْ كَانَ هٰذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللّٰهُ "وَحِيدًا "لَهُ: عَيْنَانِ وَأُذُنَانِ، وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ، وَيَدَانِ وَرِجْلَانِ، وَجَوَارِحٌ كَثِيرَةٌ، فَقَدْ سَمَّاهُ اللّٰهُ "وَحِيدًا" بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، فَكَذٰلِكَ اللّٰهُ تَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى هُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلٰهٌ وَاحِدٌ.
🡱 🡳