Tevhide Davet

15 Şevval 1445, 22:02

Haberler:

Telegram adresimiz: https://t.me/darultawhid

Ana Menü

Son İletiler

#21
بَابُ
بَيَانِ مَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللّٰهُ كَلَّمَ مُوسَى

قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ:

فَقُلْنَا لَهُمْ: لِمَ أَنْكَرْتُمْ ذٰلِكَ؟

فَقَالُوا: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ، إِنَّمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعبَّرَ عَنِ اللّٰهِ، وَخَلَقَ صَوْتًا فَأَسْمَعَ.

وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جَوْفٍ وَلِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ!

فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَلْ يَجُوزُ لِمُكَوَّنٍ أَوْ غَيْرِ اللّٰهِ، أَنْ يَقُولَ:

﴿يَا مُوسَى ۞ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ.﴾؟ [طه: ١١-١٢]،

أَوْ يَقُولَ:

﴿إِنَّنِي أَنَا اللّٰهُ لَا إِلٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي.﴾؟ [طه: ١٤]،

فَمَنْ زَعَمَ ذٰلِكَ فَقَدَ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ اللّٰهِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ. وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ الْجَهْمِيُّ أَنَّ اللّٰهَ كَوَّنَ شَيْئًا، كَانَ يَقُولُ ذٰلِكَ الْمُكَوَّنُ: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي﴾ لَسْتُ ﴿أَنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.﴾،

وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ:

﴿يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.﴾ [القصص: ٣٠].

وَقَدْ قَالَ اللّٰهُ تَعَالَى:

﴿وَكَلَّمَ اللّٰهُ مُوسَى تَكْلِيمًا.﴾ [النساء: ١٦٤]،

وَقَالَ:

﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

وَقَالَ:

﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي.﴾ [الأعراف: ١٤٤]،

فَهٰذَا مَنْصُوصُ الْقُرْآنِ.

فَأَمَّا مَا قَالُوا: "إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ"،

فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللّٰهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ.»

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "إِنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ جَوْفٍ، وَفَمٍ، وَشَفَتَيْنِ، وَلِسَانٍ."، أَلَيْسَ قَالَ اللّٰهُ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:

﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ.﴾ [فصلت: ١١]،

أَتَرَاهَا أَنَّهَا قَالَتْ بِجَوْفٍ، وَفَمٍ، وَشَفَتَيْنِ، وَلِسَانٍ، وَأَدَوَاتٍ؟

وَقَالَ اللّٰهُ تَعَالَى:

﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ.﴾ [الأنبياء: ٧٩]

أَتَرَاهَا أَنَّهَا يُسَبِّحْنَ بِجَوْفٍ، وَفَمٍ، وَلِسَانٍ، وَشَفَتَيْنِ؟

وَالْجَوَارِحُ إِذَا شَهِدَتْ عَلَى الْكَافِرِ فَقَالُوا:

﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ.﴾ [فصلت: ٢١]،

أَتَرَاهَا أَنَّهَا نَطَقَتْ بِجَوْفٍ، وَفَمٍ، وَشَفَتَيْنِ وَلِسَانٍ؟ وَلٰكِنَّ اللّٰهَ أَنْطَقَهَا كَيْفَ شَاءَ.

وَكَذٰلِكَ اللّٰهُ تَكَلَّمَ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ بِجَوْفٍ، وَلَا فَمٍ، وَلَا شَفَتَيْنِ، وَلَا لِسَانٍ.

قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ:

فَلَمَّا خَنَقَتْهُ الْحُجَجُ قَالَ: إِنَّ اللّٰهَ كَلَّمَ مُوسَى إِلَّا أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُهُ.

فَقُلْنَا: وَغَيْرُهُ مَخْلُوقٌ؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: هٰذَا مِثْلُ قَوْلِكُمُ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّكُمْ تَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ الشُّنْعَةَ بِمَا تُظْهِرُونَ.

وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «لَمَّا سَمِعَ مُوسَى كَلَامَ رَبِّهِ. قَالَ: يَا رَبِّ! هٰذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُهُ هُوَ كَلَامُكَ؟. قَالَ: نَعَمْ يَا مُوسَى هُوَ كَلَامِي، وَإِنَّمَا كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشَرَةِ آلَافِ لِسَانٍ، وَلِي قُوَّةُ الْأَلْسُنِ كُلِّهَا، وَأَنَا أَقْوَى مِنْ ذٰلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَّمْتُكَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ بَدَنُكَ، وَلَوْ كَلَّمْتُكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ لَمُتَّ!

قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ قَالُوا لَهُ: صِفْ لَنَا كَلَامَ رَبِّكَ؟

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللّٰهِ! وَهَلْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَهُ لَكُمْ! قَالُوا: فَشَبِّهْهُ.

قَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ أَصْوَاتَ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تُقْبِلُ فِي أَحْلَى حَلَاوَةٍ سَمِعْتُمُوهَا؟»


فَكَأَنَّهُ مَثَّلَهُ.

وَقُلْنَا لِلْجَهْمِيَّةِ: مَنِ الْقَائِلُ لِعِيسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّٰهِ قَالَ سُبْحَانَكَ.﴾ [المائدة: ١١٦]

أَلَيْسَ اللّٰهُ هُوَ الْقَائِلُ؟

قَالُوا: يُكَوِّنُ اللّٰهُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنِ اللّٰهِ! كَمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعَبَّرَ لِمُوسَى!!

فَقُلْنَا: فَمَنِ الْقَائِلُ

﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ۞ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ.﴾ [الأعراف: ٦-٧].

أَلَيْسَ اللّٰهُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ؟

قَالُوا: هٰذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يُكَوِّنُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنِ اللّٰهِ.

فَقُلْنَا: قَدْ أَعْظَمْتُمْ عَلَى اللّٰهِ الْفِرْيَةَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ، فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَتَكَلَّمُ، وَلَا تَنْطِقُ، وَلَا تَتَحَرَّكُ، وَلَا تَزُولُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ.

فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ: إِنَّ اللّٰهَ تَعَالَى قَدْ يَتَكَلَّمُ، وَلٰكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ.

فَقُلْنَا: وَكَذٰلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ، فَشَبَّهْتُمُ اللّٰهَ بِخَلْقِهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ، فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللّٰهَ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ التَّكَلُّمَ، وَكَذٰلِكَ بَنُو آدَمَ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خَلَقَ لَهُمْ كَلَامًا! فَجَمَعْتُمْ بَيْنَ كُفْرٍ وَتَشْبِيهٍ، وَتَعَالَى اللّٰهُ عَنْ هٰذِهِ الصِّفَةِ عُلُوًّا كَبِيرًا.

بَلْ نَقُولُ: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ كَلَامًا.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ عِلْمًا فَعَلِمَ.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا قُدْرَةَ، حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا نُورَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ نُورًا.

وَلَا نَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا عَظَمَةَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عَظَمَةً.

فَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ لَنَا لَمَّا وَصَفْنَا اللّٰهَ بِهٰذِهِ الصِّفَاتِ: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ وَنُورَهُ، وَاللّٰهَ وَقُدْرَتَهُ، وَاللّٰهَ وَعَظَمَتَهُ، فَقَدْ قُلْتُمْ بِقَوْلِ النَّصَارَى حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ!!

فَقُلْنَا: لَا نَقُولُ إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَنُورَهُ، وَلٰكِنْ نَقُولُ: لَمْ يَزَلْ بِقُدْرَتِهِ، وَبِنُورِهِ، لَا مَتَى قَدَرَ، وَلَا كَيْفَ قَدَرَ.

فَقَالُوا: لَا تَكُونُوا مُوَحِّدِينَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولُوا قَدْ كَانَ اللّٰهُ وَلَا شَيْءَ!.

فَقُلْنَا: نَحْنُ نَقُولُ: قَدْ كَانَ اللّٰهُ وَلَا شَيْءَ؛ وَلٰكِنْ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا أَلَيْسَ إِنَّمَا نَصِفُ إِلٰهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ؟!

وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِي ذٰلِكَ مَثَلًا.

فَقُلْنَا: أَخْبِرُونَا عَنْ هٰذِهِ النَّخْلَةِ أَلَيْسَ لَهَا جِذْعٌ، وَكَرَبٌ، وَلِيفٌ، وَسَعَفٌ، وَخُوصٌ، وَجُمَّارٌ، وَاسْمُهَا اسْمُ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَسُمِّيَتْ نَخْلَةً بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا؟!

فَكَذٰلِكَ اللّٰهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلٰهٌ وَاحِدٌ.

وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ ولَا قُدْرَةَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ الْقُدْرَةَ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ.

وَلَا نَقُولُ: قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا عِلْمَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لَهُ عِلْمًا فَعَلِمَ، وَالَّذِي لَا يَعْلَمُ هُوَ جَاهِلٌ.

وَلٰكِنْ نَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللّٰهُ عَالِمًا، قَادِرًا، مَالِكًا لَا مَتَى، وَلَا كَيْفَ.

وَقَدْ سَمَّى اللّٰهُ رَجُلًا كَافِرًا اسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، فَقَالَ:

﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: ١١]،

وَقَدْ كَانَ هٰذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللّٰهُ "وَحِيدًا "لَهُ: عَيْنَانِ وَأُذُنَانِ، وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ، وَيَدَانِ وَرِجْلَانِ، وَجَوَارِحٌ كَثِيرَةٌ، فَقَدْ سَمَّاهُ اللّٰهُ "وَحِيدًا" بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، فَكَذٰلِكَ اللّٰهُ تَعَالَى وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى هُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إِلٰهٌ وَاحِدٌ.
#22
بَابُ
بَيَانِ مَا جَحَدَتْ بِهِ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۞ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٢- ٢٣]

قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ تَعَالَى:

فَقُلْنَا لَهُمْ لِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ؟

قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَبِّهِ، لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إِلَيْهِ مَعْلُومٌ مَوْصُوفٌ؛ لَا يُرَى إِلَّا شَيْءٌ يَفْعَلُهُ!!

فَقُلْنَا: أَلَيْسَ اللّٰهُ يَقُولُ:

﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٣]؟.

فَقَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَى ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٣] أَنَّهَا تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهَا، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى فِعْلِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَتَلَوْا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ.﴾ [الفرقان: ٤٥]

فَقَالُوا: إِنَّهُ حِينَ قَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ.﴾ [الفرقان: ٤٥]، أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا رَبَّهُمْ، وَلٰكِنَّ مَعْنَى ذٰلِكَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى فِعْلِ رَبِّكَ.

فَقُلْنَا لَهُمْ: إِنَّ فِعْلَ اللّٰهِ لَمْ يَزَلِ الْعِبَادُ يَرَوْنَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۞ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.﴾ [القيامة: ٢٢-٢٣].

فَقَالُوا: إِنَّمَا تَنْظُرُ الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهَا.

فَقُلْنَا لَهُمْ: إِنَّهَا مَعَ مَا تَنْتَظِرُ الثَّوَابَ مِنْ رَبِّهَا هِيَ تَرَى رَبَّهَا.

فَقَالُوا: إِنَّ اللّٰهَ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ!

وَتَلَوْا آيَةً مِنَ الْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:

﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ.﴾ [الأنعام: ١٠٣].

فَقُلْنَا: أَخْبِرُونَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ:

«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ.»

أَلَيْسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَعْرِفُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ.﴾ [الأنعام: ١٠٣] وَقَالَ:

«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ.»

وَقَالَ لِمُوسَى:

﴿لَنْ تَرَانِي.﴾ [الأعراف: ١٤٣]  وَلَمْ يَقُلْ "لَنْ أُرَى".

فَأَيَّهُمَا أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ: اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ.»، أَوْ قَوْلُ الْجَهْمِ حِينَ قَالَ "لَا تَرَوْنَ رَبَّكُمْ"؟!

وَالْأَحَادِيثُ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ، لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ.

وَمِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، فِي قَوْلِ اللّٰهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ.﴾ [يونس: ٢٦]، قَالَ: اَلنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللّٰهِ.

وَمِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«إِذَا اسْتَقَرَّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! إِنَّ اللّٰهَ قَدْ وَعَدَكُمُ الزِّيَادَةَ... قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ، فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ.»

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ: وَإِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْجَهْمُ وَشِيعَتُهُ مِمَّنْ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ، وَيُحْجَبُونَ عَنِ اللّٰهِ، لِأَنَّ اللّٰهَ يَقُولُ لِلْكُفَّارِ:

﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ.﴾ [المطففين: ١٥].

فَإِذَا كَانَ الْكَافِرُ يُحْجَبُ عَنِ اللّٰهِ، وَالْمُؤْمِنُ يُحْجَبُ عَنِ اللّٰهِ، فَمَا فَضْلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ؟!!.

فَالْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنَا مِثْلَ جَهْمٍ وَشِيعَتِهِ، وَجَعَلَنَا مِمَّنِ اتَّبَعَ، وَلَمْ يَجْعَلْنَا مِمَّنِ ابْتَدَعَ، وَالْحَمْدُ لِلّٰهِ وَحْدَهُ.
#23
بَابٌ

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَي أَمْرًا آخَرَ.

فَقَالَ: إِنَّ اللّٰهَ يَقُولُ:

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.﴾ [الفرقان: ٥٩؛ السجدة: ٤]

فَزَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ، أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا. فَشَبَّهَ عَلَى النَّاسِ، وَلَبَّسَ عَلَيْهِمْ.

فَقُلْنَا لَهُمْ: أَلَيْسَ إِنَّمَا أَوْقَعَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ وَالْمَخْلُوقَ عَلَى مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا؟

فَقَالُوا: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: هَلْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

فَقُلْنَا: فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مَا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ، وَقَدْ عَرَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ: اَلْكُرْسِيَّ، وَالْعَرْشَ، وَاللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، وَالْحُجُبَ، وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يُسَمِّهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ،

وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَبَرُ مِنَ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا.

وَقُلْنَا فِيمَا ادَّعَوْا أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا.

فَقُلْنَا: إِنَّ اللّٰهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ:

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ.﴾ [الحجر: ٨٥]،

فَالَّذِي خَلَقَ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَدْ كَانَ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَالْحَقُّ الَّذِي خَلَقَ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ هُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اللّٰهَ تَعَالَى يَقُولُ الْحَقَّ،

قَالَ:

﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ.﴾ [ص: ٨٤]،

﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ.﴾ [الأنعام: ٧٣].

فَالْحَقُّ الَّذِي خَلَقَ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَدْ كَانَ قَبْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَالْحَقُّ قَوْلُهُ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ مَخْلُوقًا.
#24
بَابٌ

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ،

فَقَالَ: أَنَا اَجِدُ آيَةً فِي كِتَابِ اللّٰهِ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ!.

فَقُلْنَا: أَيُّ آيَةٍ؟

فَقَالَ: قَوْلُ اللّٰهِ تَعَالَى:

﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّٰهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ.﴾ [النساء: ١٧١]،

وَعِيسَى مَخْلُوقٌ.

فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ اللّٰهَ مَنَعَكَ الْفَهْمَ فِي الْقُرْآنِ؛ عِيسَى تَجْرِي عَلَيْهِ أَلْفَاظٌ لَا تَجْرِي عَلَى الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ: مَوْلُودٍ، وَطِفْلٍ، وصَبِيٍّ، وَغُلَامٍ، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، يَجْرِي عَلَيْهِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ. ثُمَّ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَقُولَ فِي الْقُرْآنِ مَا نَقُولُ فِي عِيسَى.

فَهَلْ سَمِعْتُمُ اللّٰهُ يَقُولُ فِي الْقُرْآنِ مَا قَالَ فِي عِيسَى؟! وَلٰكِنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِ اللّٰهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:

﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّٰهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ.﴾ [النساء: ١٧١]

فَالْكَلِمَةُ الَّتِي أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ حِينَ قَالَ لَهُ: "كُنْ". فَكَانَ عِيسَى "بِكُنْ"، وَلَيْسَ عِيسَى هُوَ "الْكُنْ"، وَلٰكِنْ بـِ"ـالْكُنْ" كَانَ، فَـ"ـالْكُنْ" مِنْ اللّٰهِ قَوْلٌ، وَلَيْسَ "الْكُنْ" مَخْلُوقًا.

وَكَذَبَتِ النَّصَارَى والْجَهْمِيَّةُ عَلَى اللّٰهِ تَعَالَى فِي أَمْرِ عِيسَى؛ وَذٰلِكَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ قَالُوا: عِيسَى رُوحُ اللّٰهِ وَكَلِمَتُهُ إِلَّا أَنَّ كَلِمَتَهُ مَخْلُوقَةٌ. وَقَالَتِ النَّصَارَى: عِيسَى رُوحُ اللّٰهِ مِنْ ذَاتِ اللّٰهِ، وَكَلِمَةُ اللّٰهِ مِنْ ذَاتِ اللّٰهِ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ هٰذِهِ الْخِرْقَةَ مِنْ هٰذَا الثَّوْبِ.

وَقُلْنَا نَحْنُ: إِنَّ عِيسَى بِالْكَلِمَةِ كَانَ، وَلَيْسَ عِيسَى هُوَ الْكَلِمَةَ؛

وَأَمَّا قَوْلُ اللّٰهِ:

﴿وَرُوحٌ مِنْهُ.﴾ [النساء: ١٧١]:

يَقُولُ: مِنْ أَمْرِهِ كَانَ الرُّوحُ فِيهِ، كَقَوْلِهِ:

﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ.﴾ [الجاثية: ١٣]،

يَقُولُ: "مِنْ أَمْرِهِ". وَتَفْسِيرُ "رُوحِ اللّٰهِ" إِنَّمَا مَعْنَاهَا: أَنَّهَا رُوحٌ بِكَلِمَةِ اللّٰهِ، خَلَقَهَا اللّٰهُ، كَمَا يُقَالُ: عَبْدُ اللّٰهِ، وَسَمَاءُ اللّٰهِ، وَأَرْضُ اللّٰهِ.
#25
بَابٌ آخَرُ

قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ:

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ،

فَقَالَ: أَنَا أَجِدُ آيَةً فِي كِتَابِ اللّٰهِ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ!

فَقُلْنَا: فِي أَيِّ آيَةٍ؟

فَقَالَ: قَوْلُ اللّٰهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ.﴾ [الأنبياء: ٢].

فَزَعَمَ أَنَّ اللّٰهَ تَعَالَى قَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ، وَكُلُّ مُحْدَثٍ مَخْلُوقٌ.

فَلَعَمْرِي! لَقَدْ شَبَّهَ عَلَى النَّاسِ بِهٰذَا، وَهِيَ آيَةٌ مِنَ الْمُتَشَابِهِ.

فَقُلْنَا فِي ذٰلِكَ قَوْلًا، وَاسْتَعَنَّا بِاللّٰهِ، وَنَظَرْنَا فِي كِتَابِ اللّٰهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّٰهِ.

قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ: اِعْلَمْ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ يَجْمَعُهُمَا فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مَنَ الْآخَرِ، ثُمَّ جَرَى عَلَيْهِمَا اسْمُ مَدْحٍ فَكَانَ أَعْلَاهُمَا أَوْلَى بِالْمَدْحِ وَأَغْلَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِمَا اسْمُ ذَمِّ، أَوْ اسْمٌ دَنِيْءٌ فَأَدْنَاهُمَا أَوْلَى بِهِ.

وَمِنْ ذٰلِكَ قَوْلُ اللّٰهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ:

﴿إِنَّ اللّٰهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ.﴾ [البقرة: ١٤٣؛ الحج: ٦٥]،

وَ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّٰهِ.﴾ [الإنسان: ٦].

فَإِذَا اجْتَمَعُوا فِي اسْمِ الْإِنْسَانِ وَاسْمِ الْعِبَادِ، فَالْمَعْنِيُّ فِي قَوْلِ اللّٰهِ تَعَالَى:

﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللّٰهِ.﴾ [الإنسان: ٦]، يَعْنِي: اَلْأَبْرَارُ دُونَ الْفُجَّارِ، لِقَوْلِهِ إِذَا انْفَرَدَ الْأَبْرَارُ:

﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ.﴾ [الانفطار: ١٣؛ المطففين: ٢٢]،

وَإِذَا انْفَرَدَ الْكُفَّارُ:

﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ.﴾ [الانفطار: ١٤].

وَقَوْلُهُ:

﴿إِنَّ اللّٰهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ.﴾ [البقرة: ١٤٣؛ الحج: ٦٥]،

فَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى بِهِ، وَإِنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمِ النَّاسِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا انْفَرَدَ أُعْطِيَ الْمِدْحَةَ، لِقَوْلِ اللّٰهِ تَعَالَى:

﴿وَإِنَّ اللّٰهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ.﴾ [الحديد: ٩]،

﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا.﴾ [الأحزاب: ٤٣].

وَإِذَا انْفَرَدَ الْكُفَّارُ جَرَى عَلَيْهِمُ اسْمُ الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ:

﴿أَلَا لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.﴾ [هود: ١٨]،

وَقَوْلِهِ:

﴿أَنْ سَخِطَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ.﴾ [المائدة: ٨٠]؛

فَهٰؤُلَاءِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الرَّحْمَةِ.

وَفِي قَوْلِهِ:

﴿وَلَوْ بَسَطَ اللّٰهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ.﴾ [الشورى: ٢٧]،

فَاجْتَمَعَ الْكُفَّارُ وَالْمُؤْمِنُونَ فِي اسْمِ الْعِبَادِ، فَالْكُفَّارُ أَوْلَى بِالْبَغْيِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ انْفَرَدُوا وَمُدِحُوا فِيمَا بَسَطَ اللّٰهُ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا.﴾ [الفرقان: ٦٧].

وَقَوْلُهُ:

﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.﴾ [البقرة: ٣].

وَقَدْ بَسَطَ اللّٰهُ الرِّزْقَ لِدَاوُدَ، وسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَلِذِي الْقَرْنَيْنِ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثَالِهِمْ مِمَّنْ بَسَطَ اللّٰهُ لَهُ فَلَمْ يَبْغِ.

وَإِذَا انْفَرَدَ اسْمُ الْكَافِرِ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَغْيِ فِي قَوْلِهِ لِقَارُونَ:

﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ.﴾ [القصص: ٧٦]،

وَنَمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ حِينَ آتَاهُ اللّٰهُ الْمُلْكَ فَحَاجَّ فِي رَبِّهِ؛ وَفِرْعَوْنَ حِينَ قَالَ مُوسَى:

﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.﴾ [يونس: ٨٨] اَلْآيَةَ.

فَلَمَّا اجْتَمَعُوا فِي اسْمٍ وَاحِدٍ فَجَرَى عَلَيْهِمُ اسْمُ الْبَغْيِ كَانَ الْكَافِرُ أَوْلَى بِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَوْلَى بِالْمِدْحَةِ.

فَلَمَّا قَالَ اللّٰهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ.﴾ [الأنبياء: ٢]،

فَجَمَعَ بَيْنَ ذِكْرَيْنِ: ذِكْرِ اللّٰهِ، وَذِكْرِ نَبِيِّهِ.

فَأَمَّا ذِكْرُ اللّٰهِ إِذَا انْفَرَدَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدَثِ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ:

﴿وَلَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ.﴾ [العنكبوت: ٤٥]،

﴿وَهٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ.﴾ [الأنبياء: ٥٠].

وَإِذَا انْفَرَدَ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى عَلَيْهِ اسْمُ الْحَدَثِ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ:

﴿وَاللّٰهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ.﴾ [الصافات: ٩٦].

فَذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَمَلٌ، وَاللّٰهُ لَهُ خَالِقٌ وَمُحْدِثٌ، وَالدِّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرَيْنِ هُوَ قَوْلُهُ: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ.﴾ [الأنبياء: ٢]

فَأَوْقَعَ عَلَيْهِ الْحَدَثَ عِنْدَ إِتْيَانِهِ إِيَّانَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْتِينَا بِالْأَنْبَاءِ إِلَّا مُبَلِّغٌ وَمُذَكِّرٌ.

وَقَالَ تَعَالَى:

﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ.﴾ [الذاريات: ٥٥]،

﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى.﴾ [الأعلى: ٩]،

﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ.﴾ [الغاشية: ٢١].

فَلَمَّا اجْتَمَعُوا فِي اسْمِ الذِّكْرِ جَرَى عَلَيْهِمُ اسْمُ الْحَدَثِ؛ وَكانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْفَرَدَ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَلْقِ، وَكَانَ أَوْلَى بِالْحَدَثِ مِنْ ذِكْرِ اللّٰهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي إِذَا انْفَرَدَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ خَلْقٍ وَلَا حَدَثٍ، فَوَجَدْنَا دِلَالَةً مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ.﴾ [الأنبياء: ٢]

إِنَّمَا هُوَ مُحْدَثٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَّمَهُ اللّٰهُ تَعَالَى، فَلَمَّا عَلَّمَهُ اللّٰهُ تَعَالَى كَانَ ذٰلِكَ مُحَدَثًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
#26
بَابٌ

قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّٰهُ: وَقَدْ سَأَلْتُ الْجَهْمِيَّةَ: أَلَيْسَ إِنَّمَا قَالَ اللّٰهُ:

﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللّٰهِ.﴾ [البقرة: ١٣٦]،

﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا.﴾ [البقرة: ٨٣]،

﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ.﴾ [العنكبوت: ٤٦]،

﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا.﴾ [الأحزاب: ٧٠]،

﴿فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.﴾ [آل عمران: ٦٤]،

وَقَالَ:

﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ.﴾ [الكهف: ٢٩]

وَقَالَ:

﴿وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.﴾ [الزخرف: ٨٩].

وَلَمْ نَسْمَعِ اللّٰهَ يَقُولُ: "قُولُوا إِنَّ كَلَامِي خَلْقٌ".

وَقَالَ:

﴿وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ.﴾ [النساء: ١٧١]،

وَقَالَ:

﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا.﴾ [النساء: ٩٤]،

وَقَالَ:

﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا.﴾ [البقرة: ١٠٤]،

﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوَاتٌ.﴾ [البقرة: ١٥٤]،

﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَدًا ۞ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللّٰهُ.﴾ [الكهف: ٢٣-٢٤]،

﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ.﴾ [الإسراء: ٢٣]،

﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.﴾ [الإسراء: ٣٦]،

﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهًا آخَرَ.﴾ [القصص: ٨٨]،

﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ.﴾ [الأنعام: ١٥١]،

﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ.﴾ [الإسراء: ٢٩]،

﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ.﴾ [الأنعام: ١٥١؛ الإسراء: ٣٣]،

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ.﴾ [الأنعام: ١٥٢]،

﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا.﴾ [الإسراء: ٣٧؛ لقمان: ١٨].

وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ،

فَهٰذَا مَا نَهَى اللّٰهُ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقُلْ لَنَا: "لَا تَقُولُوا إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامِي".

وَقَدْ سَمَّتِ الْمَلَائِكَةُ كَلَامَ اللّٰهِ كَلَامًا، وَلَمْ تُسَمِّهِ خَلْقًا؛ قَوْلُهُ:

﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ.﴾ [سبأ: ٢٣]،

وَذٰلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الْوَحْيِ مَا بَيْنَ عِيسَى، وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، وَبَيْنَهُمَا كَذَا وَكَذَا سَنَةً.

فَلَمَّا أَوْحَى اللّٰهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ صَوْتَ الْوَحْيِ كَوَقْعِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا، فَظَنُّوا أَنَّهُ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ فَفَزِعُوا وَخَرُّوا لِوُجُوهِهِمْ سُجَّدًا،

فَذٰلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ.﴾ [سبأ: ٢٣]

يَقُولُ: حَتَّى إِذَا انْجَلَى الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ رَفَعَ الْمَلَائِكَةُ رُؤُوسَهُمْ، فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقَالُوا: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ.﴾ [سبأ: ٢٣]، وَلَمْ يَقُولُوا: "مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ؟"؛ فَفِي هٰذَا بَيَانٌ لِمَنْ أَرَادَ اللّٰهُ هُدَاهُ.
#27
بَابٌ

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ.

فَقَالَ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ، هُوَ شَيْءٌ؟

قُلْنَا: نَعَمْ هُوَ شَيْءٌ.

فَقَالَ: إِنَّ اللّٰهَ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ، فَلِمَ لَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ، وَقَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهُ شَيْءٌ؟

فَلَعَمْرِي لَقَدِ ادَّعَى أَمْرًا أَمْكَنَهُ فِيهِ الدَّعْوَى، وَلَبَّسَ عَلَى النَّاسِ بِمَا ادَّعَى.

فَقُلْنَا: إِنَّ اللّٰهَ لَمْ يُسَمِّ كَلَامَهُ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا، إِنَّمَا سَمَّاهُ شَيْئًا الَّذِي كَانَ بِقَوْلِهِ. أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.﴾ [النحل: ٤٠]؟

فَالشَّيْءُ لَيْسَ هُوَ قَوْلُهُ، إِنَّمَا الشَّيْءُ الَّذِي كَانَ بِقَوْلِهِ.

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا.﴾ [يس: ٨٢]،

فَالشَّيْءُ لَيْسَ هُوَ أَمْرَهُ إِنَّمَا الشَّيْءُ الَّذِي كَانَ بِأَمْرِهِ.

وَمِنَ الْأَعْلَامِ وَالدِّلَالَاتِ أَنَّهُ لَا يَعْنِي كَلَامَهُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرِّيحِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَى عَادٍ ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ.﴾ [الذاريات: ٤٢]، وَقَالَ:

﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا.﴾ [الأحقاف: ٢٥]،

وَقَدْ أَتَتْ تِلْكَ الرِّيحُ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ تُدَمِّرْهَا: مَنَازِلِهِمْ، وَمَسَاكِنِهِمْ، وَالْجِبَالِ الَّتِي بِحَضْرَتِهِمْ، فَأَتَتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الرِّيحُ وَلَمْ تُدَمِّرْهَا، وَقَدْ قَالَ:

﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا.﴾ [الأحقاف: ٢٥].

فَكَذٰلِكَ إِذَا قَالَ:

﴿اَللّٰهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.﴾ [الرعد: ١٦؛ الزمر: ٦٢]،

لَا يَعْنِي نَفْسَهُ، وَلَا عِلْمَهُ، وَلَا كَلَامَهُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ.

وَقَالَ لِمَلِكَةِ سَبَأٍ:

﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.﴾ [النمل: ٢٣]،

وَقَدْ كَانَ مُلْكُ سُلَيْمَانَ شَيْئًا، وَلَمْ تُؤْتَهُ.

فَكَذٰلِكَ إِذَا قَالَ:

﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.﴾ [الرعد: ١٦؛ الزمر: ٦٢]،

لَا يَعْنِي كَلَامَهُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ.

وَقَالَ اللّٰهُ لِمُوسَى:

﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي.﴾ [طه: ٤١]،

وَقَالَ:

﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ.﴾ [آل عمران: ٢٨، ٣٠]،

وَقَالَ:

﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.﴾ [الأنعام: ١٢]،

وَقَالَ عِيسَي:

﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ.﴾ [المائدة: ١١٦]،

وَقَالَ تَعَالَى:

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.﴾ [آل عمران: ١٨٥]،

فَقَدْ عَرَفَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللّٰهِ أَنَّهُ لَا يَعْنِي نَفْسَهُ مَعَ الْأَنْفُسِ الَّتِي تَذُوقُ الْمَوْتَ، وَقَدْ ذَكَرَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ نَفْسٍ.

فَكَذٰلِكَ إِذَا قَالَ: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.﴾ [الرعد: ١٦؛ الزمر: ٦٢]، لَا يَعْنِي نَفْسَهُ، وَلَا عِلْمَهُ، وَلَا كَلَامَهُ مَعَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ.

فَفِي هٰذَا دِلَالَةٌ وَبَيَانٌ لِمَنْ عَقَلَ عَنِ اللّٰهِ تَعَالَى.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

فَرَحِمَ اللّٰهُ مَنْ تَفَكَّرَ وَرَجَعَ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى اللّٰهِ إِلَّا الْحَقَّ، فَإِنَّ اللّٰهَ تَعَالَى قَدْ أَخَذَ مِيثَاقَ خَلْقِهِ فَقَالَ تَعَالَى:

﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ إِلَّا الْحَقَّ.﴾ [الأعراف: ١٦٩]،

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:

﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللّٰهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.﴾ [الأعراف: ٣٣]،

فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ. وَقَدْ قَالَ:

﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّٰهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ.﴾ [الزمر: ٦٠]

أَعَاذَنَا اللّٰهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ فِتَنِ الْمُضِلِّينَ.

وَقَدْ ذَكَرَ اللّٰهُ كَلَامَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَسَمَّاهُ كَلَامًا وَلَمْ يُسَمِّهِ خَلْقًا، قَوْلُهُ:

﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ.﴾ [البقرة: ٣٧]،

وَقَالَ:

﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّٰهِ.﴾ [التوبة: ٦]،

وَقَالَ:

﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّٰهِ.﴾ [البقرة: ٧٥]،

وَقَالَ:

﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ.﴾ [الأعراف: ١٤٣]،

وَقَالَ:

﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي.﴾ [الأعراف: ١٤٤]،

وَقَالَ:

﴿وَكَلَّمَ اللّٰهُ مُوسَى تَكْلِيمًا.﴾ [النساء: ١٦٤]،

وَقَالَ:

﴿فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَكَلِمَاتِهِ.﴾ [الأعراف: ١٥٨]

فَأَخْبَرَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَبِكَلِمَاتِ اللّٰهِ.

وَقَالَ:

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللّٰهِ.﴾ [الفتح: ١٥]،

وَقَالَ:

﴿لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي.﴾ [الكهف: ١٠٩]،

وَقَالَ:

﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّٰهِ.﴾ [التوبة: ٦]،

 وَلَمْ يَقُلْ: "حَتَّى يَسْمَعَ خَلْقَ اللّٰهِ".

فَهٰذَا مَنْصُوصٌ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ، هُوَ بَيِّنٌ بِحَمْدِ اللّٰهِ تَعَالَى.
#28
بَابُ
بَيَانِ مَا أَبْطَلَ اللّٰهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ إِلَّا وَحْيًا وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ

قَالَ: قَوْلُهُ:

﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۞ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۞ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.﴾ [النجم: ١-٤].

وَذٰلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا: إِنَّ الْقُرْآنَ شِعْرٌ.

وَقَالُوا: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.﴾ [الأنعام: ٢٥].

وَقَالُوا: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ.﴾ [الأنبياء: ٥].

وَقَالُوا: تَقَوَّلَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ.

وَقَالُوا: تَعَلَّمَهُ مِنْ غَيْرِهِ.

فَأَقْسَمَ اللّٰهُ بِـ﴿ـالنَّجْمِ إِذَا هَوَى.﴾ [النجم: ١] يَعْنِي: اَلْقُرْآنَ إِذَا نَزَلَ.

فَقَالَ:

﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۞ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ.﴾ [النجم: ١-٢]

يَعْنِي: مُحَمَّدًا، ﴿وَمَا غَوَى ۞ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.﴾ [النجم: ٢-٣].

يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَقُلْ هٰذَا الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿إِنْ هُوَ.﴾ [النجم: ٤] أَيْ: مَا هُوَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.﴾ [النجم: ٤].

فَأَبْطَلَ اللّٰهُ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ شَيْئًا غَيْرَ الْوَحْيِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ هُوَ﴾ [النجم: ٤]، يَقُولُ: مَا هُوَ ﴿إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.﴾ [النجم: ٤].

ثُمَّ قَالَ: ﴿عَلَّمَهُ﴾ [النجم: ٥]، يَعْنِي: عَلَّمَ جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا الْقُرْآنَ وَهُوَ: ﴿شَدِيدُ الْقُوَى ۞ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى.﴾ [النجم: ٥-٦]، إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى.﴾ [النجم: ١٠] فَسَمَّى اللّٰهُ الْقُرْآنَ وَحْيًا وَلَمْ يُسَمِّهِ خَلْقًا.
#29
بَابُ
بَيَانِ مَا فَصَلَ اللّٰهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ

وَذٰلِكَ أَنَّ اللّٰهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذَا سَمَّى الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِاسْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَسَامِي فَهُوَ مُرْسَلٌ غَيْرُ مُنْفَصِلٍ، وَإِذَا سَمَّى شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَدَعُهُمَا مُرْسَلَيْنِ حَتَّى يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا. مِنْ ذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا.﴾ [يوسف: ٧٨]،

فَهٰذَا شَيْءٌ وَاحِدٌ سَمَّاهُ بِثَلَاثَةِ أَسَامٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّ لَهُ أَبًا، وَشَيْخًا، وَكَبِيرًا. وَقَالَ:

﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ.﴾ [التحريم: ٥]،

ثُمَّ قَالَ: ﴿ثَيِّبَاتٍ.﴾ [التحريم: ٥]، فَهٰذَا اسْمُ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ. فَلَمَّا ذَكَرَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ:

﴿ثَيِّبَاتٍ.﴾ [التحريم: ٥]،

ثُمَّ قَالَ:

﴿وَأَبْكَارًا.﴾ [التحريم: ٥].

فَلَمَّا كَانَتِ الْبِكْرُ غَيْرَ الثَّيِّبِ لَمْ يَدَعْهُ مُرْسَلًا حَتَّى فَصَلَ بَيْنَهُمَا، فَذٰلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَبْكَارًا.﴾. وَقَالَ: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى.﴾، [فاطر: ١٩] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْبَصِيرُ.﴾ [فاطر: ١٩]،

فَلَمَّا كَانَ الْبَصِيرُ غَيْرَ الْأَعْمَى فَصَلَ بَيْنَهُمَا،

ثُمَّ قَالَ:

﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ۞ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ.﴾ [فاطر: ٢٠-٢١]،

فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هٰذَا الشَّيْءِ غَيْرَ الشَّيْءِ الْآخَرِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا.

ثُمَّ قَالَ:

﴿اَلْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ.﴾ [الحشر: ٢٣]،

﴿اَلْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ.﴾ [الحشر: ٢٤]

فَهٰذَا كُلُّهُ اسْمُ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ لَيْسَ بِمُنْفَصِلٍ.

وَكَذٰلِكَ إِذَا قَالَ اللّٰهُ ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ﴾ [الأعراف: ٥٤]

ثُمَّ قَالَ:

﴿وَالْأَمْرُ﴾ لِأَنَّ الْخَلْقَ غَيْرُ الْأَمْرِ، فَهُوَ مُنْفَصِلٌ.
#30
بَابٌ

ثُمَّ إِنَّ الْجَهْمِيَّ ادَّعَى أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ مِنَ الْمُحَالِ؟!

فَقَالَ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ، أَهُوَ اللّٰهُ تَعَالَى، أَوْ غَيْرُ اللّٰهِ؟

فَادَّعَى فِي الْقُرْآنِ أَمْرًا يُوهِمُ النَّاسَ. فَإِذَا سُئِلَ الْجَاهِلُ عَنِ الْقُرْآنِ "هُوَ اللّٰهُ أَوْ غَيْرُ اللّٰهِ؟"، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

فَإِنْ قَالَ: هُوَ اللّٰهُ؟!

قَالَ لَهُ الْجَهْمِيُّ: كَفَرْتَ.

وَإِنْ قَالَ: هُوَ غَيْرُ اللّٰهِ.

قَالَ: صَدَقْتَ. فَلِمَ لَا يَكُونُ غَيْرُ اللّٰهِ مَخْلُوقًا؟

فَيَقَعُ فِي نَفْسِ الْجَاهِلِ مِنْ ذٰلِكَ مَا يَمِيلُ بِهِ إِلَى قَوْلِ الْجَهْمِيِّ.

وَهٰذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْجَهْمِيِّ هِيَ مِنَ المَغَاليطِ.

فَالْجَوَابُ لِلْجَهْمِيِّ إِذَا سَأَلَ فَقَالَ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْقُرْآنِ، هُوَ اللّٰهُ أَوْ غَيْرُ اللّٰهِ؟

قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللّٰهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْقُرْآنِ "إِنَّ الْقُرْآنَ أَنَا"، وَلَمْ يَقُلْ "إِنَّ الْقُرْآنَ غَيْرِي"، وَقَالَ: "هُوَ كَلَامِي". فَسَمَّيْنَاهُ بِاسْمٍ سَمَّاهُ اللّٰهُ بِهِ،

فَقُلْنَا: هُوَ كَلَامُ اللّٰهِ تَعَالَى، فَمَنْ سَمَّى الْقُرْآنَ بِمَا سَمَّاهُ اللّٰهُ بِهِ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ، وَمَنْ سَمَّاهُ بِاسْمٍ غَيْرِهِ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ،

وَقَدْ فَصَلَ اللّٰهُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ قَوْلًا فَقَالَ:

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.﴾ [الأعراف: ٥٤]،

فَلَمَّا قَالَ: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ﴾ [الأعراف: ٥٤] لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ إِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي ذٰلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَيْسَ بِخَلْقٍ فَقَالَ: ﴿وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤]، فَأَمْرُهُ هُوَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ خَلْقًا.

وَقَالَ تَعَالَى:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ۞ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.﴾ [الدخان: ٣-٤]،

ثُمَّ قَالَ فِي اَلْقُرْآنِ هُوَ ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا.﴾ [الدخان: ٥]. وَقَالَ تَعَالَى:

﴿لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.﴾ [الروم: ٤]،

يَقُولُ: لِلّٰهِ الْقَوْلُ مِنْ قَبْلِ الْخَلْقِ، وَمِنْ بَعْدِ الْخَلْقِ، وَاللّٰهُ يَخْلُقُ وَيَأْمُرُ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ خَلْقِهِ. وَقَالَ:

﴿ذٰلِكَ أَمْرُ اللّٰهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ.﴾ [الطلاق: ٥]،

وَقَالَ:

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ.﴾ [هود: ٤٠]،

يَقُولُ: قَدْ جَاءَ قَوْلُنَا فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ.
🡱 🡳