ثَمَانُ حَالاَتٍ اِسْتَنْبَطَهَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ قَوْلِ اللّٰهِ تَعَالَى:1
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَلٰكِنْ أَعْبُدُ اللّٰهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ.﴾ [يونس: 104-106]
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فِيهِ ثَمَانُ حَالاَتٍ:
اَلْأُولَى: تَرْكُ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ حَاوَلَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ بِالطَّمَعِ الجَلِيلِ وَالْإِخَافَةِ الثَّقِيلَةِ، كَمَا جَرَى لِسَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ أُمِّهِ.
اَلْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ إِذَا عَرَفَ الشِّرْكَ وَأَبْغَضَهُ وَتَرَكَهُ، لاَ يَفْطِنُ لِمَا يُرِيدُ اللهُ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ إِجْلاَلِهِ وَرَهْبَتِهِ، فَذَكَرَ هٰذِهِ الحَالَةَ بِقَوْلِهِ:
﴿وَلٰكِنْ أَعْبُدُ اللّٰهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ.﴾ [يونس: 104]
اَلْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إِنْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ التَّرْكِ وَالْفِعْلِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ مِنْ هٰذِهِ الطَّائِفَةُ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ هٰذَا الغَرَضَ إِلاَّ بِالهَرَبِ عَنْ بَلَدٍ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الطَّوَاغِيتِ الَّذِينَ يَبْلُغُونَ الغَايَةَ فِي الْعَدَاوَةِ، حَتَّى يُصَرِّحَ أَنَّهُ مِنْ هٰذِهِ الطَّائِفَةِ الْمُحَارِبَةِ لَهُمْ.
اَلْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: إِنْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ هٰذِهِ الثَّلاَثِ، فَقَدْ لاَ يَبْلُغُ الْجِدَّ فِي الْعَمَلِ بِالدِّينِ؛ وَالْجِدُّ وَالصِّدْقُ هُوَ إِقَامَةُ الْوَجْهِ لِلدِّينِ.
اَلْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: إِنْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ الْحَالاَتِ الْأَرْبَعِ، فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مَذْهَبٍ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، فَأُمِرَ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ الْحَنِيفِيَّةَ، وَتَرْكُ كُلِّ مَذْهَبٍ سِوَاهَا وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا فَفِي الْحَنِيفَيَّةِ عَنْهُ غُنْيَهٌ.
اَلْحَالَةُ السَّادِسَةُ: إِنَّا إِنْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ الْحَالاَتِ الْخَمْسِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلاَ يُكَثِّرَ سَوَادَهُمْ.
اَلْحَالَةُ السَّابِعَةُ: إِنْ قَدَّرْنَا أَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ الْحَالاَتِ السِّتِّ، فَقَدْ يَدْعُو مِنْ غَيْرِ قَلْبِهِ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَلَوْ كَانَ دِينًا، يَظُنُّ أَنَّهُ إِنْ نَطَقَ بِذٰلِكَ مِنْ غَيْرِ قَلْبِهِ لِأَجْلِ كَذَا وَكَذَا، خُصُوصًا عِنْدَ الْخَوْفِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ فِي هٰذَا الْحَالِ.
اَلْحَالَةُ الثَّامِنَةُ: إِنْ ظَنَّ سَلاَمَتَهُ مِنْ ذٰلِكَ كُلِّهِ، لٰكِنَّ غَيْرَهُ مِنْ إِخْوَانِهِ فَعَلَهُ خَوْفًا، أَوْ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ، هَلْ يُصَدِّقُ اللهَ أَنَّ هٰذَا وَلَوْ كَانَ أَصْلَحَ النَّاسِ قَدْ صَارَ مِنَ الظَّالِمِينَ، أَوْ يَقُولُ كَيْفَ يَكْفُرُ وَهُوَ يُحِبُّ الدِّينَ وَيُبْغِضُ الشِّرْكَ؟
وَمَا أَعَزَّ مَنْ يَتَخَلَّصُ مِنْ هٰذَا، بَلْ مَا أَعَزَّ مَنْ يَفْهَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، بَلْ مَا أَعَزَّ مَنْ لاَ يَظُنُّهُ جُنُونًا. وَاللهُ أَعْلَمُ.